- 31 آب 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : نافذ عسيلة
في سياق تفاعل القوة والسياسة على الساحة الدولية، يستعد العالم لمواجهة دبلوماسية جديدة بعد منع الوفد الفلسطيني من الوصول إلى مقر الأمم المتحدة الشهر المقبل. هذا القرار ليس مجرد إجراء تقني، بل هو تجسيد لصراع أعمق على الشرعية، والحق في التمثيل وصوت الفلسطينيين. من خلال هذه الخطوة، تعيد القوى الكبرى تشكيل حدود المشاركة الدولية، وتدفع الفلسطينيين للبحث عن طرق بديلة للمقاومة والتعبير. هذا الحدث لا يعزل القضية الفلسطينية، بل يسلط الضوء عليها ويطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة النظام الدولي وقدرته على حماية مبادئه الأساسية.
يعد هذا المنع تمثيلًا لهيمنة القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، داخل النظام الدولي. فهو لا يستخدم كإجراء إداري محايد، بل كأداة سياسية تهدف لخدمة مصالح الأقوى. توظف آليات مثل تأشيرات الدخول أو التهديد بقطع التمويل بشكل استراتيجي للحد من حضور الفلسطينيين على الساحة الدولية، وعرقلة محاولاتهم لنقل روايتهم والدفاع عن حقوقهم. هذه السياسات تتجاوز تقييد الحركة والوصول إلى المنابر الدولية، لتصل إلى محاولة فرض رواية أحادية، وإقصاء السردية الفلسطينية التي تعكس واقع الاحتلال والمعاناة المستمرة.
هذا النهج يعكس أيضًا ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا التحرر وحقوق الإنسان، حيث تستخدم القوانين والأنظمة التي يفترض أن تكون أدوات للعدالة لتكريس الظلم ومنع المحاسبة. هذه السياسات تتحول إلى أدوات لإعادة إنتاج النظام الدولي القائم على التفوق، وتكرس هيمنة القوى الكبرى، بدلاً من السعي لتحقيق العدالة والمساواة.
منع الفلسطينيين من تقديم روايتهم يساهم في تعزيز الإقصاء الرمزي، حيث يصبح الفلسطينيون مجرد موضوعات يتناولها الآخرون بمعزل عنهم. هذا الإقصاء لا يحرمهم فقط من التعبير عن معاناتهم، بل يعيد إنتاج صورة مشوهة عن قضيتهم. في الوقت ذاته، يصبح هذا المنع جزءًا من منظومة أوسع تهدف إلى إضعاف الحضور الفلسطيني في المجال العام، وتجريدهم من أدوات التأثير السياسي والثقافي.
رغم هذه القيود، يواصل الفلسطينيون البحث عن طرق بديلة للتعبير عن مواقفهم، مثل المؤتمرات عبر الفيديو، البيانات الصحفية وبناء تحالفات مع دول ومنظمات أخرى. هذه المناورات تعكس إرادة المقاومة المستمرة ضد محاولات إسكاتهم، وتؤكد عزيمتهم في البحث عن قنوات جديدة للتأثير والتواجد على الساحة الدولية. هذه الاستراتيجيات، رغم كونها غير تقليدية، تعبر عن رفض الفلسطينيين للواقع المفروض عليهم، وتؤكد تمسكهم بحقهم في التعبير والمشاركة في صنع القرارات التي تمس مصيرهم.
في هذا السياق، قد يتسبب المنع في نتائج عكسية، حيث يعزز الحضور الدولي للقضية الفلسطينية بدلاً من تهميشها. محاولات إغلاق الأبواب أمام الفلسطينيين قد تثير اهتمامًا عالميًا أكبر، مما يسهم في تسليط الضوء على محاولات القمع، ويجذب تعاطفًا دوليًا غير متوقع. هذه الاستجابة قد تتحول إلى فرصة جديدة لتعزيز مكانة القضية الفلسطينية، وتظهر أن محاولات إسكات الصوت الفلسطيني قد تؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا لما كان متوقعًا.
منع الفلسطينيين من التواجد في الأمم المتحدة يعكس محاولة لاستبعاد روايتهم وتقليص فرصهم في التوثيق والمناصرة الدولية. لكن هذا المنع أيضًا يثير قضايا أعمق تتعلق بشرعية الرواية الفلسطينية مقارنة بالرواية الإسرائيلية، مما يجعلها جزءًا من صراع أوسع على الحقيقة. من خلال هذا المنع، تعاد صياغة المعايير الدولية لصالح القوى المسيطرة، مما يهدد بتقليص فرص الفلسطينيين في نيل الاعتراف من دول أوروبا الغربية.
يعزز المنع شعور الفلسطينيين بالاضطهاد الجماعي، مما يقوي من تماسك الهوية الوطنية الفلسطينية ويعزز من وحدتهم في مواجهة محاولات إقصائهم. هذه الوحدة تجعل من القضية الفلسطينية قضية جماعية، يحارب فيها كل فلسطيني ضد محاولات التقليل من مكانتهم الدولية. في هذا السياق، تتحول المنظمات الدولية، التي يفترض أن تكون أماكن للتفاوض والتسوية، إلى ساحات صراع حقيقية بين الهيمنة والمقاومة المستمرة. هذا التفاعل يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الفلسطينيون في سعيهم لنيل حقوقهم، ويبرز دور المنظمات الدولية كميدان دائم للصراع حول العدالة والشرعية.
وفي النهاية، تكشف هذه الديناميكية عن حقيقة أن محاولات تهميش الفلسطينيين قد تسهم في جعل قضيتهم محورًا عالميًا للنقاش، حيث يتحول رفض القمع إلى جزء من حركة عالمية أوسع تدعو لتحقيق العدالة.