- 3 أيلول 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : نافذ عسيلة
يضعنا الواقع الحالي في الضفة الغربية أمام احتمال حاسم يتمثل في ضم الأراضي المحتلة، وهو ما قد يؤدي إلى تفكك السلطة الفلسطينية. لهذا السيناريو تداعيات عميقة على الحياة اليومية للفلسطينيين، خصوصاً من النواحي الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، بعيداً عن الخطابات السياسية المجردة. فقد يعني انهيار مؤسسات السلطة صدمة تطال مختلف جوانب المعيشة، من العمل والرعاية الصحية والتعليم إلى الهوية والأمن الشخصي والجماعي.
تفكك السلطة يؤدي أيضاً إلى فقدان الأمن الداخلي والتمثيل السياسي، مما يعني زوال آخر شكل من أشكال التمثيل الفلسطيني، حتى وإن كان محدوداً، ويعزز شعور الفلسطينيين بالعزلة والانكشاف. في غياب السلطة، يصبح الفلسطينيون خاضعين مباشرة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية دون أي وساطة أو غطاء سياسي، وقد يتحمل الاحتلال تبعات الأعباء المالية الناتجة عن هذا التفكيك.
من الناحية الأمنية، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لأجهزة أمن السلطة، إلا أنها لعبت دوراً في الحد من الفوضى في بعض المناطق. غياب هذه الأجهزة قد يؤدي إلى فراغ أمني خطير يتيح للفصائل المسلحة أو المجموعات المحلية السيطرة، مما يستدعي تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً مباشراً، ما يزيد من حدة التصعيد والعنف ويعمق حالة انعدام الاستقرار.
سياسياً، انهيار السلطة ينذر بنهاية محتملة لفكرة حل الدولتين في نظر شريحة واسعة من الفلسطينيين، وقد يدفع ذلك باتجاه مشاعر اليأس، أو نحو خيارات أكثر حدة وتطرفاً في التعامل مع الاحتلال.
الخدمات الأساسية بدورها ستكون في مهب الانهيار، إذ سيتوقف دفع رواتب عشرات الآلاف من العاملين في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، ما سيؤدي إلى تعطل المستشفيات، وإغلاق المدارس وتوقف البلديات عن أداء دورها. ومع غياب أكبر مشغل للقوى العاملة، سترتفع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، وسيعتمد الاقتصاد المحلي على فرص العمل داخل إسرائيل بشروطها، أو على مساعدات دولية غير مستقرة.
هذا الاعتماد المتزايد على الدعم الخارجي سيعزز من دور وكالات مثل الأونروا والمنظمات الدولية غير الحكومية، مما يرسخ مجتمعاً يعتمد على المساعدة ويفقد تدريجياً استقلاليته الاقتصادية والاجتماعية.
في حال فرض القانون الإسرائيلي بشكل كامل، سيخضع الفلسطينيون مباشرة للمنظومة القانونية الإسرائيلية، العسكرية والمدنية، دون أي حقوق مواطنة. هذا سيؤدي إلى ارتفاع في معدلات الاعتقال الإداري، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، استناداً إلى مبررات قانونية وأمنية تفرضها إسرائيل.
إلى جانب ذلك، فإن تفكك النظام الإداري للسلطة، المسؤول عن إصدار الوثائق الرسمية مثل شهادات الميلاد والهويات وجوازات السفر، سيخلق أزمة حقيقية على صعيد الهوية، ويعقد تعامل الفلسطينيين مع العالم الخارجي.
العيش تحت سيطرة الاحتلال المباشرة، من دون أي إطار سياسي تمثيلي، سيعمق مشاعر الظلم والاغتراب. ومع غياب السلطة كمرجعية سياسية كانت تشكل، رغم محدوديتها، جزءاً من الهوية الجماعية، سيواجه الفلسطينيون أزمة هوية قد تدفعهم نحو انتماءات أكثر محلية أو دينية أو ثورية.
من الجانب النفسي، فإن العيش في ظل التهديد المستمر بالضم والتهجير، وغياب مؤسسات الدولة، سينتج عنه صدمة جماعية عميقة قد تؤثر على الأجيال القادمة.
كما ستعمق سياسات الفصل الجغرافي، من خلال الجدران والحواجز والمستوطنات، تجزئة المجتمع الفلسطيني وتحوله إلى كانتونات معزولة، ما يعوق التواصل الاجتماعي والاقتصادي بين المناطق. وسيسرع ذلك من عمليات مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، مما يقضي على أي أمل حقيقي بقيام دولة فلسطينية مستقلة، ويدفع بالمزيد من السكان نحو التهجير الطوعي أو القسري.
هذا المشهد لا يعكس مجرد تحول سياسي، بل يمثل تفكيكاً شاملاً لنمط الحياة الفلسطيني كما عرف منذ اتفاقيات أوسلو. سيضطر الناس إلى إعادة تنظيم حياتهم اليومية وفق شروط جديدة تفرضها الوقائع، كيف يعملون، كيف يتنقلون، كيف يتعلمون ويتعالجون وكيف يقاومون أو يتأقلمون.
في ظل هذا الفراغ، ستبرز مجدداً أهمية البنى الاجتماعية التقليدية، مثل العائلة والعشيرة، كمصادر للدعم والأمان، إلى جانب ازدياد دور المنظمات الأهلية والمبادرات المجتمعية.
تأثير إعادة احتلال الضفة على سكان القدس سيكون كبيراً، حيث ستزداد القيود الأمنية وتتوسع السيطرة الإسرائيلية، مما سيقيد حركة الفلسطينيين أكثر مما هي عليه حالياً. سينجم عن ذلك تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع مشاعر الاغتراب والتمييز، مع احتمال تصاعد التوترات والعنف في المدينة.
في هذا السيناريو، سيواجه الفلسطينيون صراعاً يومياً من أجل البقاء، وسط نظام فصل عنصري تهيمن فيه إسرائيل على جميع جوانب الحياة، ويعامل الفلسطينيون ككتلة سكانية محرومة من حقوقها على أرضها.