• 3 أيلول 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

  

نشرت الصحافة العبريّة خبر نقاشات سياسيّة بشكل مفتوح داخل الوسط السياسيّ في دولة الاحتلال، إثر نشر أخبار عن أن الوزير رون دريمر قد أبدى دعمه لمخطّطات الضم ولأنماط السيطرة الجديدة على مناطق واسعة في الضفة الغربيّة، ردّاً على نداء نيويورك الفرنسيّ السعوديّ الذي يطالب بالاعتراف بدولة فلسطينيّة، ونقلت الصحافة عن الوزير المذكور قوله إن السيادة (الإسرائيلية) ستفرض على الضفة الغربية، وإن نقاشاً يدور حول مقدار الضمّ وموعده. وجدير بالذكر أن هذا الوزير هو الأقرب لعقل نتنياهو وسياساته، والذي كان يبدي تحفظاً علنياً تجاه السير في اتجاه الضم.
لا يبدو أن هناك مَن يعارض حقاً هذه الخطوة داخل حكومة الاحتلال. وهذا يلتقي مع أفكار وتوجّهات اليمين الاستيطانيّ الذي يمسك بزمام الأمور بالضفة الغربية التي أصبحت ملحقة بوزارة المالية ووزيرها المتطرف بتسلئيل سموتريتش بدل وزارة الدفاع.
حكومة الاحتلال ووزراؤها كانوا قد وضعوا على رأس أولويات حكومتهم ضمّ الضفة الغربيّة منذ تشكيلها عام 2022 وذلك بكامل أرضها باعتبارها أرضاً (إسرائيلية) إن بالمفهوم التوراتيّ وإن بالمفهوم التاريخيّ وفق ما يرون أنه التاريخ الحقيقيّ وكانت الحكومة قد أكملت جزءاً كبيراً من هذه الخطة خاصة في الأغوار والتجمعات الاستيطانية الكبرى، وذلك بطريقة فرض الأمر الواقع وهو ما أصبح سراً يعرفه الجميع، ولكن دون إعلان رسميّ وبما يتيح لكثير من الجهات بما فيها الرسمية الفلسطينية (السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير) التزام الصمت وأي عملية تفاوض أو حوار حول هذه المسألة لن تكون مع السلطة الفلسطينية وإنما مع أطراف خارج فلسطين عربية إبراهيمية وأوروبية وجميع هؤلاء يبدون تحفظاً على عملية الضم، ولكن دون رفضها بشكل قاطع. حكومة الاحتلال والحالة كهذه ترى أن الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبله هو وقف عمليات ضم جديدة بشكل مؤقت مقابل الاعتراف بضم الأغوار والتجمّعات الاستيطانية الكبرى ثم الدخول في أنماط جديدة مبتكرة تمثل ضماً فعلياً، ولكن دون استعمال كلمة ضمّ واستبدالها بمسمّيات أخرى، ولكنها تذهب باتجاه السيطرة الكاملة على الضفة الغربيّة.
إدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن وكبار موظفيها قد يكون لهم رأي في ضبط السلوك (الإسرائيلي) في لبنان والشام واليمن وإيران ومناطق أخرى، ولكنهم عندما يتعلق الأمر بالشأن الفلسطينيّ نراهم يتبنّون الموقف (الإسرائيلي) بكامله لا بل وفي أحيان كثيرة نراهم على يمين اليمين (الإسرائيلي) المتطرف، وهم حسب ما ورد في أخبار صباح الاثنين الماضي  يرون أن قرار السيادة على الضفة الغربية شأن (إسرائيلي) لا يتدخّلون به وعن واشنطن لم تعطِ لتل أبيب ضوءاً أخضر كاملاً، ولكنها قطعاً لن تعطي ضوءاً أحمر وأن على (الإسرائيليين) أن يقرّروا بأنفسهم ماذا يريدون ثم إبلاغ واشنطن بذلك.
من الأنماط والخطط الجديدة المبتكرة ما تردّد في الأنباء – عن اتصالات بين الحكومة (الإسرائيلية) وبين وجهاء وعشائر من مدينة الخليل وريفها لتشكيل إمارة الخليل المستقلة عن السلطة الفلسطينية. هذه الأفكار تمّت صياغتها من قبل سياسيين وأكاديميين (إسرائيليين) ينتمون إلى مدرسة الاستشراق الأمني (المخابراتي)، وما الخليل وإمارتها إلا البداية والمشروع التجريبي pilot project) ) لما يريدونه في سائر الضفة الغربية. ترى هذه الفكرة أن من حق السكان (لا المواطنين الفلسطينيين) الذين يعيشون على أرض الضفة الغربية أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ويديروا شؤون حياتهم في الأرض التي ليست لهم وإنما هي الأرض التي تمثل الوطن الأخلاقي والمعنوي والتاريخي والرباني للشعب اليهوديّ الذي يجب أن يبقى صاحب السيادة المطلقة على أرضه، ولكن مع ذلك من الممكن إقامة حكم ذاتي مدني لمن تصادف وجوده من الغرباء على هذه الأرض، ومن الممكن لهم إدارة شؤون التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية وأعمال الإغاثة للفقراء على أن لا يشمل ذلك أياً من الحقوق القومية والوطنية، وعلى أن يُقروا ويعترفوا بوضوح تام بحقوق الشعب اليهوديّ على هذه الأرض وليس من حق لهؤلاء أن تتضمّن مناهجهم الدراسية غير ما تقدّم من أفكار وأن لا تكون لهم سيادة لا على الأرض ولا على ما فوقها حتى ولو كانت رمزيّة مثل العلم والنشيد الوطني وطوابع البريد وما إلى ذلك.
هذا ما نفترض أنه قد أصبح معروفاً للجهات الرسميّة الفلسطينية، ولكن الفلسطينيّ الحزين لا يرى أو يتحسّس أي خطة مقابلة للتصدّي للخطة الإسرائيلية، إلا إذا اكتفينا بالبيانات النمطية والشكاوى المرفقة بتأكيد أن الفلسطيني الرسميّ ملتزم بكامل واجباته التي رتّبها عليه اتفاق أوسلو السيّئ عام 1993، ولسان الحال يقول: الشكوى لغير الله مذلّة.