• 17 أيلول 2025
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : الشيخ مازن اهرام

(سحابة صيف) مثل عربي بليغ يُضَربُ في انقضاء الشيء بسرعة 

"سحابةُ صِيَفٍ عن قليل تُقْشعْ" فحواها الشدة أو المشكلة التي تواجه أهل الديار هي مؤقتة وستزول عن قريب، تمامًا كالسحابة الصيفية التي تظهر سرعان ما تختفي ويُضرب هذا المثل للتعبير عن الأمل في زوال الصعاب أو المشاكل أو الأحزان التي قد تصيب الإنسان، ولا ينبغي أن تثير الخوف لأنها لن تدوم وكم من السحب  تلاشت عن الديار وفاز بالوصل من قد فاز وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب

 ولكن البعض يستعجلون!!! 

فالتشبيه بسحابة الصيف يراد به تكون السحابة فجأة ثم تفرقها بلا مطر، والرعود فيها عالية الصوت لكن لا ينتج عنها مطر كما هو متوقع بل تتلاشى وكأن شيئاً لم يكن.

كذلك ويضرب المثل للشخص ينفعل ويثور ثم بعد فترة وجيزة ينتهي انفعاله، كحال الأعراب نسمع جعجعة ولا نرى أثراً للطحين..... 

كما يضرب لمن يقوم بعمل يكون في أوله متحمساً معلناً الوعود الكبيرة للقيام بالإنجازات ولكنه لا يصدق في شيء مما قال، فكأنه سحابة صيف لا هلّت مطراً ولا نبت بعدها زرع ولا ارتوى منها أحد.

سحابة صيف ثم تنقشع" نعم، هي إذا سحابة صيف، لا يدرك المرء ما فيها من نعيم، وإن أتعبه أو أرهقه ظاهر حالها، فكم من منحة في جوف محنة، وكم من نعيم في جوف ابتلاء. وقد قال سفيان رحمه الله: "ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة".

إن البلاء سنة الله الجارية في أرضه، يبتلي عباده الصالحين وفق حكمته جل وعلا، وجعل لكل نصيبه من البلاء على قدر اتصاله به، قال تعالى: 

"إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" 

والناس أمام فهم فلسفة البلاء على قسمين:

الأول: من يفهمه ويفهم علة وجوده، فيتعامل مع البلاء على أنه عطية الله له، إما مكفرة لذنوبه أو رافعة لدرجته أو صارفة عنه من المصاب مثله أو أكبر منه، فهو إذا سعيد للمآل وإن تغير به الحال، ذلك ان بشارة تنتظره وهو مدرك أنها قادمة قال تعالى: 

"وبشر الصابرين".

الثاني: من يجزع للبلاء ويتسخَّط على القضاء، فتضيق عليه نفسه، وتضطرب عليه حياته، ويضيع منه الأجر ولا يكون إلا ما قدر الله وقضى فحريٌ بنا في هذه الأيام والتي يشتد فيها الهجير أن نتذكر وأن نجتنب الأسباب التي توقع وتهوي بنا في مهالك الردى 

رِدِي حِيَاضَ الرَّدَى يَا نَفْسُ واتَّرِكِي * حِيَاضَ خَوْفِ الرَّدَى لِلشَّاءِ والنَّعَمِ

الطبع يغلب التطبع النهر لا يغير مجراه، وإن جاءه فيضان فقد يتفرع هنا وهناك ولكنه يعود لمجراه الأصلي الذي لم يتركه أساساً، كما أن شجرة الصندل رائحتها طيبة دائماً وتعطر حتى من يقطعها ويضربها بالفأس، 

وبالمقابل فإن الثعبان يغيّر جلده لا طبعه، وهكذا معظم البشر أسرى طباعهم، والمحمود منهم من يجاهد نفسه لكي يتغير نحو الأفضل، وهذا هو الجهاد الأكبر: جهاد النفس، 

ولهذا نرى أن الذي اعتاد الفراغ والكسل وعاشر الملل والضجر قد تمر به أوقات قليلة ينشط فيها بشكل عجيب كأنه النهر الذي فاض ولكنه سرعان ما يعود لمجراه الأصلي مسترخياً في وادي الكسل، فنشاطه (كشخطة عود الكبريت) ومثل سحابة صيف.. 

وفي القراءة الكتب الجيدة تحتاج قراءتها إلى تمعن وصبر ومعرفة وفقه وهذا ما يفقده بعض عشاق القراءة فلا يقرأون إلا الكتب السطحية، والعناوين التي لا ترمز عن فحوى الكتاب أو لون الغلاف إياك أن تمدح الوجوه قبل أن تعاشر القلوب لأن دائماً الغلاف الخارجي لا يشبه المضمون.

الثقافة والعلم يمثلان جانبان مكملان للحياة البشرية؛ العلم يركز على المعرفة المنهجية المكتسبة عبر التجربة والبحث، وهو عالمي ومنهجي بطبيعته، بينما الثقافة تشمل المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والسلوكيات المكتسبة عبر التلقي والتربية والعيش في مجتمع معين، وتتميز بخصوصيتها الأمة أو المجتمع   ومع أن القراءة كلها جيدة إلا أنه شتان بين سحاب يروي أعماق الأرض العطشى وينبت الكلأ ويملأ الأرض بالزهر والعطر ويروي أصول النخيل والشجر وبين سحابة صيف تمر عابرة كأن لم تكن..

وفي الصداقة وكما في الحب هناك من يزعم أن له ثلاثين صديقاً - مثلاً.. وفي الغالب لا يكون لمثل هذا ولا صديق واحد بالمعنى الحقيقي  

بالله عليك قل لى الى أين المسير في ظلمة الدرب العسير!!!

أراها وإن كانت تُحَبَّ كأنها ** سحابة صيف عن قليل تقشعُ

نحو قلبي والخيامِ تطلُّع

حَنانيكَ رفقاً أيها الدهر واتئد ** فحسبِي ما ألقى وما أتجرّعُ