• 24 أيلول 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : كريستين حنا نصر

 

     هذه الخطوة البالغة الاهمية في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي،  هي الاعتراف الرسمي من قبل انجلترا والبرتغال وكندا واستراليا رسمياً بدولة فلسطين ، وهذه الخطوة التاريخية التي تحمل في طياتها حدث تاريخي يحمل بعداً رمزياً مهماً ، وتُعيد تسليط النظر الى موضوع حل الدولتين، رغم المرحلة المعقدة التي يمر بها الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ، وبشكل خاص بعد حادثة السابع من اكتوبر عام 2023م وتداعياتها المتمثلة بالحرب المستمرة بين اسرائيل وحماس على أرض غزة ، وأيضا كل هذا من شأنه التأثير على الوضع المستقبلي لهذا الصراع ، وبالاخص مستقبل غزة ومن سيحكمها مستقبلاً ، والان تطرح سيناريوهات لمستقبل غزة ، وأن لا يكون لحماس أي صلة عسكرية فيها ، أي أنه سوف تكون غزة منطقة منزوعة السلاح .

  ويلاحظ ارتفاع عدد الدول العالمية المعترفة بالدولة الفلسطينية والتي بلغت 150 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة ، وحسب وصف السلطة الفلسطينية فهي تعد هذه الخطوة باليوم التاريخي ، وفي الجهة الاخرى اثار  ذلك استنفار اسرائيلي مما ادى الى تصريح نتنياهو بالاصرار والمطالبة بضم الضفة الغربية كردة فعل مضادة للاعتراف بالدولة الفلسطينية . فلسطين وفي هذه المرحلة من تاريخها تعد دولة قائمة وفي نفس الوقت فانها دولة غير قائمة في المرحلة الحالية ، فقد حصلت على اعتراف دولي واسع ولها عدة بعثات دبلوماسية في العالم ، وتشارك في المحافل الدولية  مثل الرياضية ، ولكن على أرض الواقع لا تملك أي حدود رسمية متفق عليها دولياً ، ولا تملك جيش يمثل الدولة الفلسطينية ولا اقتصاد قوي مستقل ، بالامكان الاعتماد عليه كلياً  بدون مساعدات دولية ، حيث أن اسرائيل هي المتحكم في معابرها و وارداتها والاحتلال العسكري للضفة الغربية ما زال مستمراً .

   وهنا بعد هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وهو اعتراف رمزي ومعنوي في هذه المرحلة الحالية ، يعتبر موقفاً رمزياً واخلاقياً وسياسياً أكثر من كونه تغييراً أو خطوة ملموسة على ارض الواقع  في هذه المرحلة المعقدة  في هذا الصراع ، ولكن بالطبع فانه يلعب دوراً في تعزيز الحضور الفلسطيني في المؤسسات الدولية ، وايضا يفتح المجال لاقامة السفارات وتبادلها مع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ، وهذا الاعتراف جاء بعد حرب غزة المدمرة بين اسرائيل وحركة حماس ، والشعب الفلسطيني هو الذي دفع الثمن الاكبر جراء هذا الصراع ، من القتل والتهجير ودمار البيوت وسرقة المساعدات التي تقدم لهم ، حيث اصبحت غزة منطقة منكوبة وتعاني من صعوبة العيش فيها بطريقة طبيعية وبالاخص مع تزايد الاماكن السكنية المدمرة المليئة بالالغام .

 ان حل الدولتين المقترح بالمبادرة الفرنسية والسعودية ، التي قدمت من أجل اعادة إحياء حل الدولتين ، والذي يقوم على اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة على حدود ما قبل عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية ، وهنا يكون السؤال الابرز ، هل يمكن تطبيق هذا الحل على ارض الواقع ؟ ، خاصة ان الولايات المتحدة ممثلة بالرئيس ترامب لم يعرب عن دعمه لهذه الخطوة ، خصوصاً انه في كلمته أمس في الامم المتحدة استبعد الموضوع كله في حديثه ، ولم يشر اليه في كلمته ، وايضاً كنتيجة للاعتراف بالدولة الفلسطينية نجد أن نتنياهو وكردة فعل أظهر عزمه بأنه سوف يوسع من تطبيق خطوة ضم الضفة الى اسرائيل ، أي بالمحصلة رفض اسرائيل والحكومات المتعاقبة فيها لمسألة حل الدولتين ، وفي نفس الوقت لم يقدم اي تنازلات مهمة في هذا الملف ، وقد تمكن هذه الخطوة اي الاعتراف بالدولة الفلسطينية من مساعدة الفلسطينيين بالمطالبة بالمزيد من الحقوق في المحاكم والمنظمات الدولية ، ولكن دون سيادة على الميدان وأيضاً سوف يخلق ذلك فرص جديدة للفلسطينيين وامكانية القيام بضغوط اضافية على اسرائيل ، وهذا الاعتراف بالطبع ليس نهاية الطريق والتطبيع يجري على ارض الواقع ، ولكن  الاعتراف هو خطوة تعكس الارادة الدولية للبحث عن حلول لهذا الصراع وللضغط على اسرائيل ، وفي نفس الوقت يضع المسؤولين الفلسطينيين  أمام ضرورة اصلاح البيت الداخلي ، خاصة اعداد مؤسسات قادرة على السعي نحو ترجمة هذا الاعتراف من موقف رمزي سياسي الى واقع عملي ملموس على ارض الواقع ، ويبدو أن الطريق الى الدولة الفلسطينية هو بعيد وليس مكتملاً والتطورات القادمة سوف تقود الى تبلور الامور بشكل أكثر وضوحاً ، وبالاخص الطريق المستقبلي الشاق لتحقيق ذلك ، مع وجود معيقات سوف تواجه جهود امكانية هذا التحقيق .

  وهنا صرح الملك عبد الله الثاني بن الحسين في خطابه  في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، بأنه ومرة أخرى لانعقاد اجتماعات الجمعية العامة يكرر الحديث مراراً عن الصراع في المنطقة ، خاصة ما يتصل بالقضية الفلسطينية وهنا يتساءل العاهل الاردني في امكانية القدرة على الحل ، حيث أن الصمت المتكرر أمر يفيد بمعنى قبول الوضع الحالي ، اي التخلي عن انسانيتنا وهذا بالطبع غير ممكن ، والسؤال الى متى يتحمل الفلسطيني القصف العشوائي والتشريد ؟، ويحرمون من حقوقهم بما فيها الكرامة الانسانية مراراً وتكراراً ، ويؤكد الملك على ان هذا الصراع هو ليس الوحيد في العالم ولكنه الاقدم حتى اليوم ، وان هذا الصراع القديم الجديد لا يزال مدرجاً على جدول اعمال الامم المتحدة ، وعلى امتداد ثمانية عقود ، والتدابير المؤقتة والاتفاقيات المرحلية الى الان لم تحقق الهدف النهائي للحل ، وفي نفس الوقت يتزايد التوسع الاسرائيلي ، وباعتبار العمليات العسكرية مستمرة في هذا الصراع فان العائلات الاسرائيلية لم تتمكن ايضا كما هي الفلسطينية من العيش بأمان في ظل هذا الصراع المستمر دون حل .

واعرب جلالة الملك عن استيائه لدعوات الحكومة الاسرائيلية الحالية والتي تنشر خرائط لاسرائيل الكبرى مراراً ، ويظن العاهل الاردني أنه لن يتحقق ذلك الا بالانتهاك الصارخ لسيادة وسلامة اراضي البلدان المجاورة  لحدود اسرائيل ، ولهذا السبب لا يعتقد جلالته ان اسرائيل ترغب بالسلام مع جيرانها ، ويعتقد أيضا أن المعايير تُطبق على دول ولا تطبق على أخرى ، ويسأل جلالة الملك :" متى سندرك أن قيام الدولة الفلسطينية هي ليست مكافأة لكن حق لهم ؟" . 

وكأوصياء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس فان أي عبث بالوضع الحساس في مدينة القدس سيسبب انفجار صراع عالمي ،  وان الصراع المسلح بين الاسرائيليين والفلسطينيين حيث يعلم الطرفين أن هذا الصراع المسلح اذا استمر فسيكون ملاذهم الوحيد ، وبالتالي يعتقد جلالته أن الحل الوحيد هو حل الدولتين وفق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ، اي قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية ، الى جانب دولة اسرائيلية آمنة تعيش بسلام مع جيرانها.

  واختم جلالة الملك خطابه التاريخي بقوله بأنه وعلى مدى العامين الماضيين ، بات واضحاً أن ضمير العالم تحرك بصوت واحد ، بأن الوقت قد حان …