- 27 أيلول 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : تحسين يقين
مستخلص: أجرمت دولة الاحتلال الى آخر مدى متجاوزة كل الخطوط بهدف تهجير غزة وضم الضفة، لكن للعدالة دوما طريقها، فلا غزة هجرت، ولا ضمّ للضفة سيكون ممكنا. إذن سارعت دولة الاحتلال بتحقيق مشروعنا الوطني، فما أرادت نفيه صار أكثر حضورا، فهل كان هناك ضرورة لسفك دماء شعبنا والقيام بجرائم حرب للوصول الى نتيجة هي عكس ما أراد منطق القوة المتغطرسة؟
سؤال: إذا كانت الولايات المتحدة قبل 23 عاما قد اقترحت حل الدولتين، فلماذا لم تسع إليه؟ ولماذا تؤجل اعترافها بفلسطين وهي تعرف ان الاحتلال، بمفاوضات، وبأفعال الأمر الواقع تعارض وجود الدولة الثانية؟
قريبا منا، كان لا بدّ من تنفيذ حق تقرير مصير شعبنا، وليس فقط الاعتراف به، لذلك فإن هذه الاعترافات تعني الكثير، منه أنها تعني في العمق أمرا يستفز دولة الاحتلال التي ترى نفسها نقيضا لنا؛ فإثبات العالم لفلسطين تراه نفيا لها.
واعتراف اليوم، وقبل عدة سنوات، يختلف عن اعتراف العالم بإعلان الدولة عام 1988، حيث أن بنية الدولة قائمة، بمؤسساتها.
بعيدا عنا، فقد تكون الاعترافات بفلسطين بداية تحرر أوروبا سياسيا من الولايات المتحدة، إلا إذا كان هناك افتراض مختلف يرى أن الاعترافات تمت بإقرار أمريكي.
فهل فعلا تمت الاعترافات بموافقة أمريكية؟ وإن تمت كذلك بهذا الضوء الأخضر، فهل هذا سيكون الدواء المرّ الذي سيتجرعه الأمريكان؟
أمريكيا، الى حد ما، لم تكن الولايات المتحدة مع تغييرات سلطات الاحتلال لما تفعله في الأرض المحتلة عام 1967 بما فيه القدس، وكان موقفها معلنا الى أن اعترف ترام في ولايته الأولى بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ولكن، قبل ذلك ظلت السياسة الأمريكية مترددة إزاء مسألة حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين، الى ان حصل ذلك في خارطة الطريق عام 2002، وما تلا ذلك من تفاهمات اللجنة الرباعية.
أمريكا تقبل حل الدولتين، وتعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ثم كان ما كان من صفقة القرن، التي تعترف بجزء من المستوطنات في الضفة الغربية.
في العمق، كان هناك تفهم لإيجاد دولة فلسطينية، وفقا لخارطة الطريق، بشرط ان يتم ذلك من خلال المفاوضات، ولكن تكرار تلك المفاوضات عمّق رفض الاحتلال لدولة فلسطين. وبما أن أمريكا تعرف عمق استراتيجية دولة الاحتلال، فلماذا وعدت بحل الدولتين إذن؟
بصراحة، لا تريد دولة الاحتلال التي تدخل عامها ال 77، لا دولة فلسطينية، ولا دولة واحدة لشعبين، والنتيجة الفعلية بقاؤها كيانا قلقا لا ينفعه اعتراف العالم ما لم نعترف به نحن الشعب الفلسطيني؛ فالاعتراف الحقيقي ليس رسالة، بل قبول مقرون بتحقق الكرامة وتنفيذ حق تقرير المصير.
دوليا، لنا أن نزعم اليوم بأن المشروع الوطني الفلسطيني أصبح (في مجمله) مشروعا دوليا، وليس عربيا وإسلاميا فقط.
وهكذا، فلن تستطيع إدارة ترامب الوقوف ضده، فهي تعرف مضمون المثل الشعبي الفلسطيني: "ما أتيس من بلد هدّت ع واحد، ولا أتيس من واحد هدّ ع بلد"، وهكذا لربما لا يستطيع ترامب أن "يهدّ" على العالم، خاصة في ظل تعاظم قوى دولية من ناحية، وتفاهم عربي- أوروبي، تقوده الشقيقتان مصر والسعودية وفرنسا.
إسرائيليا، كثرت الدماء التي على أيدي الساسة والعسكر، علما بأن دولة الاحتلال أصلا من البدايات عمدت الى عسكرة مجتمع المستوطنين بعد ربيع عام 1948، استئنافا لما عسكرته الحركة الصهيونية للتجمعات الاستيطانية اليهودية في فلسطين من قبل والذي تم بتواطؤ حكومة الانتداب-الاحتلال البريطاني.
وهنا لعل نذكّر بشكل خاص بالاعتراف البريطاني بدولة فلسطين الذي تأخر، والذي يعني شعور عميق بالذنب لديها، حيث سيتبع ذلك خطوات بريطانية بالمساهمة في تأسيس دولة فلسطين، بضوء أخضر من الولايات المتحدة، والتي سترى نفسها معزولة، مثل حليفتها، وبالطبع فإن الولايات المتحدة ليست في مجال محاربة العالم، بما فيه أوروبا.
فلسطينيا: وكما قلت من قبل الى درجة جعل العبارة عنوانا لمقال هنا، فإنني أكرر ان الدولة الغائبة هي الأكثر حضورا، تعمد حضورها العميق بصمود شعبنا وبدماء الشهداء وآلام الجرحى والمعتقلين والمحاصرين واللاجئين.
تعميق إعادة الاعتبار للذات، وصون المجتمع من الفتن والجدل المفضي لانشغال عن العمل الحقيقي، واستئناف مأسسة دولتنا، من خلال تقدير قيمة التعاون، وإن كان هناك تنافس فليكن تنافس لأجل الصالح العام؛ فلا صراع بيننا ولا تناقض، بل اختلال في وجهات النظر، حله يكون من خلال الاحتكام للحكمة والرأي العام الحقيقي لا الشعبويّ.
رافعة تحقيق الدولة على أرضنا تبدأ بنا، فإذا بدأت تتفعل التحولات العالمية التي لم تكن ممكنة قبل ذلك، أفلا نحدث هنا تحولات يمكننا فعلها وطنيا وسياسيا وإداريا وماليا؟
على مدار 3 عقود، عشنا مرحلة تحولات، تخللتها الانتفاضة الثانية ونتائجها، في ظل نظام اقتصادي إشكاليّ، وصولا الى الانقسام، ما منح الاحتلال مبررات التخريب والاستيطان، وصولا لحرب الإبادة.
إن بداية التغيير المأمول ليس إرضاء الآخرين بحقّ وبدون حق، بل بإرضاء أنفسنا، من خلال الارتقاء بالعمل العام وتقديم الخدمات والرعاية. ان احترامنا لأنفسنا وشعبنا، سيعزز احترام الآخرين، بدءا بإشاعة العقلانية الحقيقية والمهنية والتعاون وانتهاء بالالتزام الوطني.
التعاون!
نحن بحاجة أولا لقدوة الساسة، بحيث نشهد الوئام المطلوب بين الكل الفلسطيني أولا والوطني ثانيا والفتحاوي ثالثا؛ فليس هناك مبر لبقاء "يا لعيب يا خريب"، فليشمر "اللعيب" الحقيقي فالعمل أمامنا جميعا. وجود الوئام بين الساسة وصناع القرار، سينعكس إيجابا على عمل المؤسسات التي تعاني من إشكاليات منها العمل كطواقم، والإقصاء والولاءات، وتدخلات غير ضرورية، هذا إذا أردنا فعلا تمتين مأسسة دولتنا.
إن عماد ذلك كله هو الوحدة والالتزام الوطني والديمقراطية واحترام التعددية، على أن تكون التعددية الإبداعية لا التعددية المنطلقة من بحث عن خلاصات فئوية وشخصية.
ستقف الحرب رغما عن الغزاة، وسنتابع عيشنا هنا شعبا أصيلا وأصلانيا، ودولة سيكون في وجودها ضمانة أمن عالمي.
نتيجة التحولات هي إقامة دولتنا، اذن فلنتجنب كل ما يعيق هدفنا، فإن أردنا فعلا سنكون ونبني ونبدع مجتمعا راقيا ودولة نليق بها وتليق بنا.
ليس أمام الاحتلال الا ان يجبر على الاختيار، فسيظل كيانه قلقا خائفا يترقب حتى لو امتلك السلاح المتفوق، لان إرادة الشعوب جميعا هي التي ستحسم، شعبنا البطل، وشعوب العالم المتضامنة معه. هو مجبر على اختيار، لأن وجوده لن يتحقق فعلا كدولة إلا بدولة فلسطين السيادية بعاصمتها القدس، أو لعله يتخلص من العنصرية التي تنفيه، فيكون ما سوف يكون: الدولة الواحدة، التي تحمي البشر على حافتي الأنهار والبحار.