- 6 تشرين الثاني 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : كريستين حنا نصر
وصف توم براك في منتدى حوار المنامة مؤخراً الوضع في لبنان ، بأنها دولة فاشلة ، حيث ذكر وعلى الملأ وبكل صراحة فشل الحكومة اللبنانية في احتواء الوضع الداخلي ولاسيما الضعف الاقتصادي الراهن ، إذ لا يوجد فيها بنك مركزي أي أن النظام المصرفي اللبناني فعليا شبه مفلس ، وهناك 60 مليار دولار مفقودة من النظام المصرفي ، ناهيك عن ديون الدولة المتفاقمة ، حيث وصل الدين العام فيها الى 130 بليون دولار ، وايضاً شركة الكهرباء مفلسة . لذا فإن السؤال الأبرز هنا ، هو ما هي أوصاف هذه الدولة الحالية ؟.
و يؤكد توم براك أن الدولة الحالية القائمة هي حزب الله والسبب الأساسي أن الحزب يتمتع بقدرات عسكرية تفوق قدرات وقوى الجيش اللبناني الحالي وبقدرة تبلغ حوالي 40 ألف مقاتل مزودين بالسلاح والصواريخ ، و التي تتفق عسكرياً عن الجيش اللبناني ، مؤخراً أعاد حزب الله تسليح نفسه متحدياً بذلك الجميع ، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الاسرائيلية على جنوب لبنان منذ عام ، والذي أدى الى استشهاد عدة قادة وعناصر من حزب الله وتحديداً فيما سُمي بعملية البيجر ، واستشهاد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله . ان هذا العجز الحكومي العسكري يمكن أن يفتح المجال أمام اندلاع مواجهة جديدة بين اسرائيل وحزب الله ، وبشكل خاص على الحدود اللبنانية الجنوبية حيث تتواجد هناك الاف الصواريخ التي يمتلكها حزب الله ، في حين يفتقر وجود مثلها لدى الجيش اللبناني ، الذي يعاني حالياً من ضعف موارده الاقتصادية اضافة الى نقص في الموارد والعناصر البشرية أيضاً ، ولهذا السبب لم تتمكن الدولة اللبنانية وحتى الآن من تحقيق خطوة حصر السلاح في يد الدولة والجيش .
وفي الوقت نفسه يبدو أن الوضع اللبناني الداخلي معقد بين الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية التي تضغط تجاه نزع سلاح حزب الله ، فلقد صرح الرئيس اللبناني جوزيف عون بقوله : ( أن لا خيار أمام لبنان إلا التفاوض مع اسرائيل ) ، فهل سينفذ صبر امريكا وتعطي الضوء الأخضر لاسرائيل لشن معركة على حزب الله لنزع السلاح بالقوة ؟ .
وفي المحصلة يقف لبنان الآن على حافة حرب قريبة و محتملة في الجنوب اللبناني ، خاصة في ظل وجود ضغوط دولية نحو عدم انفجار الوضع العسكري في لبنان ، في وقت يشهد فيه لبنان مرحلة عصيبة في هذه الفترة تحديداً ، خاصة احتمالية تفجر الوضع وبلوغه مواجهة شاملة قد تُطيح بالتوازنات السياسية والاقتصادية الهشة أساساً ، اذ ان لبنان هو جزء من الشرق العربي متصل بالتطورات الاقليمية الحالية ، والقوى السياسية الداخلية تسعى الى عدم الوصول إلى حالة الانفجار الكبير والشامل في لبنان .
و زيارة توم براك الى لبنان مؤخراً تأتي كونه حاملاً معه رؤية السياسة الامريكية للبنان ومفادها منع توسع الحرب نحو الشمال ووضع قواعد صارمة جديدة للاشتباك والسعي للضغط على حزب الله وملاحقة داعميه ، حيث أنه وفي هذه الفترة هناك تطورات متعلقة بالحرب في غزة ، والسعي إلى تطبيق وقف الحرب فيها ، وايضاً الوضع المتأزم الداخلي اللبناني على الصعيد العسكري والسياسي والضائقة الاقتصادية والدين العام المتفاقم .
لا يمكن لدولة أن تتخذ قرارات أمنية خاصة فيما يتعلق بشن حرب أو من عدمه ، وكون القوى الاكثر قوة عسكرية حالياً في لبنان هي حزب الله . ان الوضع الحالي اللبناني خصوصاً ما يتعلق بعدم النجاح في نزع سلاح حزب الله الى الآن ، يمكن أولاً أن ينذر باندلاع حرب في جنوب لبنان بين اسرائيل وحزب الله مجدداً ، وهذا يمكن أن يفجر الوضع الداخلي اللبناني الهش ، ويؤدي إلى حدوث انشقاق ونزاع طائفي وحزبي بين الفرقاء ، قد يهدد بتفكيك واطاحة ما بقي من مؤسسات الدولة .
و لتجنب أي تطورات واحتمالية لانفجار الوضع الداخلي اللبناني أخذت المؤسسة العسكرية اللبنانية مبادرة وخطة واضحة للجيش ، تهدف لجعل الدولة تأخذ زمام التفرد بالسلاح عبر خطة تتضمن السير بمراحل جغرافية زمنية محددة ، تطبق تدريجياً بهدف السيطرة على مناطق معينة ، وفرض سيادة الدولة وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني والسعي الى منع تفاقم الأمور الأمنية وتوسع الحرب في لبنان .
والسؤال الأكبر هل ستنجح الدولة بتطبيق الخطة وفرض السيادة وحصر السلاح بيدها وبدون تفاقم الأمور إلى حرب داخلية ؟ ، ومن الممكن أن تدخل اسرائيل على الخط ، خاصة اذا لم تنجح هذه الخطة الامنية .
وللأسف فإن الوضع الحالي الداخلي اللبناني والانقسامات تضعف من سيادة الدولة على حساب حزب الله ، يجب أخذ قرارات سيادية لتفادي أي تطورات تجعل هناك من تفاقم للوضع الأمني الداخلي اللبناني .
ان المشهد اللبناني الحالي معقد وحساس وينذر بامكانية تفجر الوضع على الحدود الجنوبية مع اسرائيل وتجفر في الساحة الداخلية

