• 22 نيسان 2015
  • نبض إيلياء

 

هذا السؤال بالتأكيد راوض كل مقدسي على الاقل  في كل مرة يكون فيها مضطر الى تعبئة طلب للحصول على تأشيرة سفر او يستعد للسفر ،  كما راودني اثناء تواجدي في الطائرة المتجهة الى عمان قادمة من اسطنبول ،  وبالتحديد عندما جالت الطائرة مضيفة  ذات ملامح تركية جميلة وهي تحمل بيدها رزمة من البطاقات  قامت بتوزيعها على جميع الركاب بلا استثناء وعليها شعار المملكة الاردنية الهاشمية الغالية ,

وفي هذه البطاقة  هناك معلومات عن الشخص وسبب زيارته للاردن  ، وهي معلومات عادية ولكن السؤال الذي حاولت الاجابة عليه ،وبصراحة لم اعرف!  وهو سؤال عميق يحتاج الى نظرة فلسفية تحليليه للاجابة عليه الا وهو : من انا ؟!  

 ما علينا 

المهم ، ان هذا السؤال جاء كرد على سؤال في البطاقة الحدودية هذا نصه: ارجو تحديد البلد التي انت منها ؟ فانا لا ينطبق على كما هو حال الثلاثمائة الف مقدسي جميع الاحتمالات المطروحة في الورقة الرسمية ، فنحن لسنا اردنيين بعيش في الخارج ونحمل جنسية اجنبية ؟! 

كما انني لست فلسطينيا وفق الوثائق الرسمية ،  ومعي بقية اهل القدس لا يحملون الجواز الفلسطيني ، اذن من انا ؟! وتحت أي بند !!؟  حاولت سؤال المضيفة على اجد اجابة شافية ،  ولكن يبدو ان وضعي المعقد افقدها القدرة على التفكير ومن ثم والإجابة واكتفت بالرد : لا اعرف !! وانصحك ان تعبئ البطاقة اضمن لا !!! هذه العبارة الاخيرة اضحكتني كثير ، فحتى المضيفة تحزن لوضعي ولا تريد اي تعقيدات في حياتنا المعقدة اصلا ! 

فعلا من نحن؟!!  اتحدى ان تجد مقدسي يستطيع الاجابة على هذا السؤال بصدق!  الا من حزم امره وقرر التوجه غربا نحو اسرائيل باعتبار هذا الخيار يريحه من الاجابة على السؤال ، رغم ان هذا الاتجاه فتح عليه سيلا من الاسئلة المعقدة اكثر ، او من قرر التوجه اكثر غربا عبر البحر المتوسط بحثا عن جنسية اخرى ليتمكن من الاجابة على هذا السؤال، اما البقية العظمى فهي حائرة بامرها!  ولا تزال تحوم حول هذا السؤال : من نحن رسميا ؟! فلا نحن في السماء ولا في الارض فالغالبية العظمى ترى تفسها مواطينين اردنيين وهذا حق ضمنه لهم الدستور الاردني منذ عام ١٩٥١ ، رغم كل الظروف فهم لا زالوا عند قناعتهم هذه ، بانتظار اعادة هذا الحق لهم حفاظا على الهوية المقدسية من الضياع ! 

 والذي زاد الامور تعقيدا وجعل من حياة المقدسي اشبه بفيلم سينمائي هيوليودي شبة خيالي هو  اتفاق اوسلو بين السلطة الفلسطينية وبين اسرائيل، هذا الاتفاق الذي  سلخ فعليا وعمليا القدس عن باقي الاراضي فلسطينية فلم يعد المقدسي جزءا من رام الله ولا بيت لحم او الخليل او نابلس ، هذا الاتفاق خلق مجتمعات فلسطينية معزولة عن بعضها البعض وكانت العزلة الاكبر هي للقدس واهلها ، والذين وجدوا حتى عمقهم التاريخي والطبيعي والواقعي يبتعد عنهم شيئا فشيئا !!

 وهكذا تكون جيل من المقدسيين لا يعرف من هو ! فهو لا هنا ولا هناك، والذي زاد في الغربلة فشل القيادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في المدينة المقدسة في  تكوين  الهوية للجيل الجديد بل ان هذه القيادات ضيقة الافق واسعة الجيوب ساهمت بشكل كبير في ضياع المدينة وتشتت اهلها، وغربة الجيل !

ولهذا فان السؤال من انا ؟! سيبقى يلاحقنا اما الى القبر او الى ان قرر القيادات ان تحل هذه المعضلة وتخفف على المقدسيين ضيق الحياة  والحركة ، وعدم تعليق كل هذه التعقيدات على شماعه بالية مهترئة اسمها الحفاظ على المقدسي، ولعدم تمكين المقدسي من ترك بيته وتفريغ المدينة ، هذه الشماعة اثبتت فشلها على مدى سنوات الاحتلال ، فلا البيوت هجرت ولا المقدسيين رحلوا ،  بل ان عددهم في ازدياد ،  كما ان هذه الشماعة اثبتت مرة تلو الاخرى انها تستخدم كسكين على رقبة المقدسي من قبل كل الاطراف العربية !!!

 وهنا تذكرت قول صديق مقدسي حتى النخاع  عندما قال لدى سؤاله هذا السؤال: يا عزيزي انا مقدسي بغض النظر عن جواز السفر الذي احمله او لا احمله ، فجذوري ضاربة العمق في هذه المدينة مئات السنين عندما كانت بلاد العرب وطن واحد وعندما كانت اسطنبول هي العاصمة بل وقبل ذلك ايضا .. فنحن الاصل يا صديقي وكل جوازات السفر لن تغير هذه الحقيقة

 وللحديث بقية