• 25 آب 2023
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل احمد العسلي 

 

 هذه العبارة قالها خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري في خطبته الأخيرة قبل اسبوع في المسجد الأقصى ،  بمناسبة إحياء الذكرى الأليمة لإحراق المسجد الأقصى/ الحرم الشريف  على يد سائح استرالي  متصهين ، وما أسفر عن ذلك الحريق من دمار كبير لا يوصف للآثار الاسلامية النادرة  في المسجد القبلي  من الحرم الشريف .

وما تبع ذلك  من صدمة للمسلمين في القدس وفلسطين حيث وصلوا في ذلك الوقت أي بعد احتلال القدس عام سبعة وستين الى قناعة بان الاقصى ترك وحيدا من قبل المسلمين والعرب ، فعندما كان العرب والمسلمون يستطيعون أن يفعلوا شيئا وأن يغيروا المعادلة لم يفعلوا، وكما أثبت التاريخ فإنهم ان لم يكونوا متعاونين مع  اسرائيل  فلقد كانوا متخاذلين عن قصد .

 كان حريق الأقصى صدمة عنيفة لأهل القدس الذين كانوا لم يخرجوا بعد من صدمة احتلال المدينة وقتل الجيش الإسرائيلي للمئات من خيرة شباب المدينة (ومن بينهم والدي وعمي وعدد كبير من أبناء الحارة ) ليجدوا أنفسهم  عاجزين امام حريق هائل وصلت رائحته من احتراق الخشب والسجاد الى كل منزل في القدس ، صحيح أن أهل المدينة شيبا وشبابا ،نساء واطفالا خرجوا من بيوتهم بحركة هستيرية مسرعين نحو الأقصى لإطفاء الحريق دون أن يعلموا إلى أين وكيف ولماذا؟  المهم عندهم ان يكونوا هناك ، فمنهم من استخدم أواني الطعام ( الصحون والطناجر) لجلب المياه من الآبار الكثيرة  في الأقصى ( والتي فقدت وظيفتها الان لاسباب كثيرة)  ومنهم من يستخدم المكانس  حتى جلابيبه لإطفاء الحريق فهم في حيرة من أمرهم  وحالة ذهول أمام هذا الحدث الجلل، 

 لا زلت أذكر صوت مآذن الأقصى وهي تصرخ انقذوا الاقصى انه يحترق، وأصوات المآذن كانت في ذلك الوقت  تصل إلى كل مكان في المدينة ( وليس كما هو الحال الآن لا تصل حتى داخل  رحاب الأقصى ذاته) سمعت النساء في الحي وهن يبكين ويتضرعن الى الله بأن يحمي بيته ويحمي الأقصى، وكما قالت احدى سيدات الحارة( ام اسماعيل )  أنه لا معنى لحياتنا بدون الاقصى .. 

 المهم ، ان بعد مرور عقود من الزمن أكثر من خمسين عاما على ذلك الحريق الذي قضى على آخر بريق أمل في قلوب المقدسيين ، وكان بداية السيطرة الإسرائيلية الفعلية على الاقصى/ الحرم الشريف  وصلنا الى أيامنا هذه  والحريق لا زال مشتعلا في كل جنبات اولى القبلتين ، ولم تتمكن كل الأحاديث الخبيثة الدولية والإسرائيلية عن الوضع القائم ( كذبة كبرى)  من إخماد النار ولم تتمكن كل  التحركات الدبلوماسية الاستجدائية العربية والوعود الإسلامية (  عبر منظمة التعاون الإسلامي التي أقيمت بسبب حريق الأقصى ولكنها كانت فعليا عود ثقاب آخر في الحريق المستمر )  من أن تهدئ من روع أهل القدس بل زادت من يقينهم بأنهم وحيدين في الساحة للدفاع عن قبلة المسلمين الأولى.

 واليوم نجد ان الحكومة الاسرائيلية الحالية الأكثر تطرفا وعنصرية في تاريخ اسرائيل تريد  اختصار المسافات وتغيير الواقع  جذريا في الأقصى معتمدة على "الانجازات" التي حققتها الحكومات السابقة من عام سبعة وستين والشرطة في تقويض مكانة دائرة الأوقاف الإسلامية  والمشاركة  في إدارة ذلك المكان المقدس .

 هذا التقويض الذي بدا بشكل ناعم وهادئ وبخطوات قد تبدو بسيطة للوهلة الاولى الا انها تعني تغييرا عميقا، فالشرطة باتت شريكة في إدارة شؤون الأقصى من فرض سيطرتها على  إغلاق الأبواب وفتحها ، من القيام بدوريات لوحدها في رحاب الحرم الشريف في ساعات المساء، دون التنسيق او مع دائرة الأوقاف وصولا الى منع جميع موظفي لجنة الاعمار من القيام بأي عمل لها مهما كان بسيطا  لدرجة أن ما يزيد عن عشرة موظفين في تلك الدائرة الهامة لا عمل لهم حتى لو أرادوا إصلاح خراب في مفتاح باب فإن عليهم أن يأخذوا إذنا من الشرطة الإسرائيلية ، ناهيك عن  إخلاء الأقصى من المصلين في الفترة الصباحية للسماح لليهود المتطرفين الباحثين عن الحرب والخراب من التجول والقيام بأعمال مخلة بقدسية المكان بحماية الشرطة.

 لذلك عندما قال الشيخ عكرمة صبري إن الاقصى لا زال يحترق فهو قد أصاب كبد الحقيقة ،فالاقصى يحترق احتراق ساكنا قبل الإنفجار الذي لا يختلف عليه اثنان من القدس بانه قادم لا محالة إذا ما استمرت الشرطة في تقويض عمل دائرة الأوقاف وفرض الرواية اليهودية على المكان،واستمرت الحكومة  في خطواتها المتسارعة سعيا وراء تغيير واقع لم يكن قائما.

 فمنذ اللحظة الأولى التي احتل فيها الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى وبالتحديد في ظهر يوم7 من حزيران يونيو عام 1967 فإن الوضع القائم قد تغير الى الأبد  في  أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وليس بعد ذلك …

وللحديث بقية .. إن بقى في العمر بقية