• 6 تشرين الثاني 2023
  • نبض إيلياء

بقلم : خليل العسلي 

  الساعة العاشرة صباحا  المسار من شارع الزهراء إلى شارع صلاح الدين وصولا الى  محطة الحافلات الرئيسية قبالة باب العامود ، الشوارع فارغة كليا  الحوانيت مغلقة ، الشوارع فارغة لدرجة انه يمكنك ان تسير وسط الشارع في هذا الوقت بالذات ، الشوارع فارغة باستثناء رجال كبار السن والنساء وغالبية هؤلاء أما متجهون الى عيادات الاطباء او ما يعرف باللغة العامية وهو مصطلح عبري  كوبات حوليم وهي عبارة عن  المراكز الطبية الاسرائيلية التي حلت محل المنظومة الصحية الفلسطينية التي كانت مشلولة اصلا ،  او ان هؤلاء عائدون من البريد سيء السمعة الذي لا يخدم سكان القدس بل يعطل مصالحهم على عكس البريد في القدس الغربية .

 الفئة الثالثة هي أصحاب المحال التجارية الذين يسيرون بتثاقل نحو حوانيتهم فهم يعرفون أنهم قد لا يبيعون بدولار واحد هذا اليوم كما كان الحال عليه بالأمس او قبل امس ، فالقدس ليست كما كانت ولكن هؤلاء مضطرون الى الخروج من  منازلهم حفاظا على السلم الأهلي الداخلي وحتى لا يصاب الشخص بالاكتئاب من خلال تسمره  أمام شاشات التلفزة ، ويجبر  نفسه على الخروج من اجل القدس .

 هناك فئة رابعة تنشط في القدس وهي فئة الغرباء العاملين بجد ونشاط  شيطاني  لتغيير كل حجر في القدس قد تشتم منه رائحة عبق عربي إسلامي  أو حتى مسيحي، هذه الفئة إذا ما استمرت بهذا الجهد الهدام فإنه لن يبقى في المدينة التي نعرف أي ذكر ، ومن هنا جاءت دعوة أحد الأصدقاء الغيورين على القدس والذي قال مازحا بشكل مأساوي :

 إن على كل مقدسي أن يلتقط صورا لكل حجر وكل نافذة وكل شجرة وكل رصيف وكل باب لحانوت وكل نبتة  وكل ورده ولكل شي،  قبل ان تختفي ، لانه سياتي يوم علينا نستيقظ فيه ولن نجد القدس ، بل نجد مسخا آخر يحمل اسم القدس ، أو نستيقظ لنجد أنفسنا هناك بعيدا عن القدس ، فتبقى ذكراها في صور حفظناها في أجهزتنا الخلوية .

وهنا أتذكر ما قالت مقدسية  غارقة جذور عائلتها في قلب القدس لمئات السنين لم تعد تصل إلى  مدينتها بسبب الفئة الرابعة التي اعتبرت هذه المقدسية الغيورة الأصلية أجنبية،  في حين اعتبرت شلومو وعوفاديا ومنغستو وفكتور ويوري مقدسيا ابا عن جد وبالتأكيد لا ابوه ولا جده يعرف عن القدس حتى اسمها  ….!!

 قالت لي ان  هذه القدس لم اعد اعرفها ،، القدس التي عشتها وتربيت في كنفها بقيت في ذاكرتي ،،، اخشى ان ياتي عليكم يوما وتصلوا لتلك القناعة .

 ما علينا

 المهم ، ان الشعور الذي ينتاب الإنسان المار في شوارع القدس هو شعور غربة،  شعور غاية في الحسرة والحزن والقلق من القادم ، القدس حزينة وحيدة، فلا القريب  صادق ولا البعيد مؤمن بها اما الاجنبي الأشقر القادم من مهد العجوز الشمطاء فهو الحاقد العنصري الذي لا يريد أن يرى المدينة كما  نعرفها بل يريد القدس وقد اختفت منها لغة الضاد وتبخر بها كل من ينطقها . ولهذا فهو يدعم عن إيمان عميق عقيم بحق هذه الفئة بالقدس وبغيرها من أجل الخلاص … 

 وقبل ان اغادر شارع صلاح الدين  وجدت في زاوية ساكنة  وقد جلس عجوزان مثقفان مقدسيان ياخذان قسط من الراحة بعد أن أجرى أحدهما فحص دم والثاني عائد من طبيب الاسنان  والاثنان لهما بعض الكتب والمقالات بالعربية والانجليزية قال أحدهم : هل تعرف ان  القدس ونقصد هنا البلدة القديمة هي قلب فلسطين وأن هذا القلب يتغذى عبر أوردة وشرايين ، هذا الوضع لا يعجب الغريب المحتل فقام بفصل القلب عن أوردته بالجدار الفاصل بعد ان اخرج منها بمساعدة الاخ القريب جميع المؤسسات الحيوية من اجل عيون رام الله القريبة ،  والان جاء دور قطع الشرايين الضعيفة التي تغذي القلب أي القدس ، وهذه الشرايين هي الأحياء العربية التي باتت هي المركز نتيجة الاجراءات الاسرائيلية  المدروسة والتي أبعدت المقدسي عن البلدة القديمة ، فلا مواقف عامة للسيارات  ولا أماكن لصف السيارات ومخالفات عالية وبدون سبب لكل سيارة تقترب من البلدة القديمة ، حواجز للشرطة على مداخل البلدة القديمة تقوم بتفتيش الشباب واهانتهم بكل مناسبة  أيضا بإغلاق الأبواب بين الحين والآخر ، هجمات ضريبة على حوانيت البلدة القديمة، واجراءات اخرى للضيق على كل مقدسي قادم من الأحياء، ولهذا فإن الكثير يفضل البقاء في حيه حيث الحوانيت وكل ما يلزمه  بدون مضايقات السلطة .

 وانهى كلامه بان القدس هكذا سوف تتحول الى متحف كما يريده الغريب ، الوحيد الذي يسرح ويمرح في كل الأوقات بالقدس  طبعا بحماية  الشرطة.

  فرد عليه صديقه : والله كلامك ايها المثقف العجوز صحيح واتمنى ان لا تتحقق رؤيتك ، فنحن بدون القدس لا نساوي شيئا وأخشى أننا فعلا اصبحنا لا نساوي شيئا .

 وللحديث بقية  ….إن بقى في العمر بقية