• 27 كانون الثاني 2024
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل  احمد العسلي 

 

 اعتقد جازما ان العمل الدبلوماسي عمل شاق للغاية يتطلب من المرء مهارة فائقة قد تفوق تحمل العقل والجسد ، مهارة تجعله في بعض الأحيان يلعن الساعة التي قرر فيها أن يكون دبلوماسيا ففي الوقت الذي يرسم على محياه ملامح الرضا والاحترام يعرف في قرارة نفسه أن هذا  لا تعكس ما في داخله .

إن من متطلبات العمل الدبلوماسي  ان تسمع لهذيان وتحليلات البعض  وانت فعلا لا تستمع، ان تبتسم  ابتسامة قد تبدو سخيفة لا تمثل عن الشعور الحقيقي ، وأن تظهر اهتمام بما يقوله الذي أمامك ورغم انك تعرف انه لا تساوي قشرة بصلة ،  ان تخفي أكثر مما تظهر ، ورغم كل ذلك يجب ان تظهر انك صديق الجميع، وبالحقيقة انت لست صديق أحد.

 وايضا من متطلبات العمل الدبلوماسي أن تتعامل مع الكثير من طبقات المجتمع  على اساس انهم مصادر المعلومات أو مراجع للفهم المجتمع المحلي والوضع في أي بلد، وفي الغالب تنتهي العلاقة بانتهاء مهمة الدبلوماسي في تلك المكان. 

 الكثير من الشخصيات المحلية ( عادة) التي تحظى أن تكون تحظى بشرب فنجان قهوة أو تتناول طعام العشاء الهادئ مع هذا الدبلوماسي أو ذاك  يعتقدون خاطئين أن صداقاتهم مع الدبلوماسي الغريب الغربي سوف تستمر للابد لانهم اصدقاء !!! 

 ويتفاجئون بعد انتقال هذا الدبلوماسي الى مكان اخر ومهمة جديدة انه حتى لم يتكبد عناء الرد على رسائلهم ….حتى انه يغير رقم هاتفه ، ورغم ذلك يقعون في نفس الخطأ مرة أخرى ومرة ثالثة ورابعة ..

 ما علينا 

 المهم ، ان هذه الافكار راودتني وانا اجلس مع هذا الدبلوماسي الغربي الذي  يرغب بالتعرف على ( لا ادري لماذا ؟!) وهو يحاول كبت غضبه من الكلام الذي يخرج مني اتجاه الدولة التي يمثلها بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة موقف اقل ما يقال عنه انه عدائي ولا إنساني .

 تلك الحرب التي أحدثت وستحدث شرخا عميقا في المواقف الفردية للمقدسيين تجاه المجتمع الغربي عامة المنحاز كليا لصالح المعتدي الضحية بنظرهم ، هذا الغرب الذي لا يفكر بعقلية اطلاقا،  و كأنه رهينة لا يجب عليها ان تفكر بل يكفى أن تطيع سيدها ، وكما كتب الدكتور علي قليبو في مقالة رائعة له في شبكة " أخبار البلد" بعنوان " لقد خانتنا أوروبا" قال فيها :" إن أشد ما يؤلمني كفلسطيني خيانة الدول الأوروبية لنا، فلقد نشأت أجيال من عائلات القدس ومنها عائلتي في جو القدس الثقافي المُشبّع بالحضارة والثقافة الأوروبية حيث لعبت المدارس التبشيرية في مختلف الأديرة ومن كل الطوائف دورًا خطيرًا في تشكيل فكرنا وهويتنا الثقافية في إطار الخطاب الأوروبي الإنساني"

 وينهى د، علي قليبو مقالته بحكمة يجب أن تكون بمثابة منارة لمعشر المثقفين عامة حيث يقول " ان أوروبا تعتبر الإسرائيليين اليهود جزءًا لا يتجزأ من هويتها وتشملهم بمفهوم الحرية والمساواة والإخاء، أما نحن، الشرقيين سواءا كنت تركيًّا أو إندونيسيًّا أو باكستانيًّا أو عربيًّا – فسنبقى الغرباء وشعبًا "آخر" مُجردين من الإنسانية وستكال علينا جميع المساوئ التي كالها الإغريقيون على الفرس في عصر أثينا الذهبي وحروبهم السجال مع الفرس، وعند المحك تزول المجاملات لتصبح كرامتنا عرضةً للامتهان نُعاني من الاحتقار  في خساسة ودناءة بدون مواربة ونعامل كبرابرة يعاقبون بدون رحمة أو هوادة.

 هذا الدبلوماسي الغربي بالتأكيد لعن الساعة التي قرر فيها الجلوس معي والاستماع الى كلام غير دبلوماسي من مقدسي عادي يعشق مدينته ولكنه كلام واقعي ولعل ما قاله قبل انتهاء فنجان القهوة ومعها ختام اللقاء:  اشكرك على حديثك المحبط المتشائم ، فقلت له: ليس محبطا ولا متشائما بل حديثا واقعيا نعيشه في القدس اولا وفي فلسطين عامة ، فنحن في القدس لا نرى كيف يمكن لأوروبا ( مهد الديمقراطية والحضارة  كما يدعون)  أن ترمم علاقاتها معنا في المستقبل البعيد، بالتأكيد ليس بالمال، رغم فتات أموالها التي  تضخها  لعدد من المؤسسات المحلية التي  اضاعت البوصلة المقدسية وفضلت ان تلعق الأيدي الاوروبية والأمريكية من أجل حفنة من الدولارات واليوروهات على أن تعيش بكرامة مقدسية لا تقدر بثمن . فالقدس لا تستحق هذه المؤسسات ولا تستحق هذه المعاملة من الغرب المتوحش ..

انتهى اللقاء بمصافحة الأيدي الباردة  وانا متاكد انه لن يكون هناك لقاء آخر ورغم ذلك خرج الدبلوماسي والابتسامة الدبلوماسية على وجهه وكأنه يودع صديقا شاركه همومه  الشخصية.

 الم اقل لكم ان العمل الدبلوماسي صعب للغاية متعب للأعصاب 

 وللحديث بقية 

 إن بقى في العمر بقية