• 28 حزيران 2016
  • أقلام مقدسية

بقلم : ياسر الزعاترة

 

فجأة ودون مقدمات قفز حديث الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية إلى واجهة الحدث السياسي؛ هو الذي غاب زمنا طويلا، ربما منذ التسعينيات يوم كان يراوح بين كونفدرالية ثنائية، وأخرى ثلاثية بحضور الكيان الصهيوني “بنيلوكس” في سياق البحث عن حلول سياسية تلبي تطلعات الساسة الإسرائيليين الذين يرفضون إعطاء السلطة الفلسطينية ما تريده على صعيد الحل النهائي، رغم التنازلات الكبيرة التي قُدمت على صعيد اللاجئين، وكذلك تبادل الأراضي الذي يبقي الكتل الاستيطانية الكبيرة في عمق الضفة الغربية.

ما ينبغي أن يُقال ابتداء هو أنه لو توفر حلٌ سياسي كالذي تتحدث عنه أدبيات منظمة التحرير، وتاليا حركة فتح والسلطة الفلسطينية ممثلا في دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، مع عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48 لما شعر ساسة الدولة الوليدة بالحاجة للكونفدرالية، وإن حضرت في الوسط الشعبي، وبالطبع في سياق من مشاعر الوحدة بين شعبين تجمعهما أواصر وحدة استثنائية. السبب بالنسبة للسياسيين يتمثل في أن الكيان المشار إليه لن يكون في حاجة إلى أحد كي يتدبر أمر معيشته، فالسياحة وغاز المتوسط (بحر غزة) يكفيان لتحقيق المطلوب، لا سيما أن البعد الاقتصادي لا يبدو حاضرا أصلا في سياق حديث الوحدة.

لا خلاف بالطبع على أن عناصر الوحدة الأردنية الفلسطينية على صعيد الشعبي تبدو قوية ومتينة، حتى لكأنهما شعب واحد (دعك من بعض الأصوات النشاز)، لكن ذلك لا ينفي بحال أن حديث الكونفدرالية لا يأتي في سياق من تعميق الوحدة بين الشعبين، بقدر ما يأتي نتاج البحث عن حل لمعضلة التسوية، في ظل رفض الكيان الصهيوني منح الفلسطينيين حلا وفق التفاصيل المشار إليها آنفا، بل ما دون ذلك أيضا.

ثمة إجماع في الكيان الصهيوني على رفض عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48، بل إن وثائق التفاوض تخبرنا أن عودتهم إلى مناطق السلطة لا بد أن تتم بتنسيق مع الكيان الصهيوني في سياق من قدرة تلك المناطق على استيعابهم، ولا تسأل بعد ذلك عن المعضلة الأهم ممثلة في قضية القدس الشرقية التي يرفض الصهاينة تقسيمها ويريدون حلا يبقيها كاملة تحت سيادتهم، مع إدارة ما للمقدسات لا تقيّد حقهم، ولا قدرتهم على تنفيذ الحفريات بحثا عن الهيكل الذي يزعمون وجوده فيما يعرف بالحوض المقدس.

الأسوأ بالطبع هو أن طرح المشروع هذه المرة يأتي في ظل رفض إسرائيلي لما هو أكثر من العنصرين المشار إليهما. إنه رفض الانسحاب من جزء كبير من الضفة الغربية فيما وراء الجدار الأمني، ما يعني أن الكونفدرالية الجديدة لن تعدو أن تكون وحدة مع تجمعات السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (سؤال قطاع غزة يبقى مطروحا بالطبع في ظل الانقسام الراهن، وفي ظل تعقيدات الموقف المصري)، وقد يتجاوزون البعد الشكلي بمنح تلك التجمعات صفة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بعدما مُنحت صفة مراقب. والنتيجة أنها كونفدرالية بين دولة وبين سكان، وليست بين دولتين حتى لو سميت الجديدة كذلك، لأن السيادة على الجزء الآخر ستبقى للاحتلال بأشكال سيصنفونها “إبداعية”!!

وإذا كان المسار الذي تبشرنا به سياسة السلطة، والموقف الحاسم للاحتلال، ما لم يأخذ الشعب قراره بالانتفاضة الشاملة رغما عنها، لا يعدو أن يكون قبولا بإدارة مناطقها في كيان تحت الاحتلال (على 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية) أو دولة تعيش حالة نزاع حدودي مع جارتها (دولة مؤقتة دون الإفصاح عن ذلك لأن القوم لن يكفوا عن إعلان تمسكهم بالثوابت)، إذا كان الأمر كذلك، فإن الكونفدرالية المقترحة إنما تعني تأبيدا لهذا الوضع.

ولما كان كيانا من هذا النوع سيبقى يذكّر بوجود المعضلة، كما سيبقى أسيرا للمساعدات العربية والمنح الدولية، فإن الحل للخروج من هذا المأزق هو ربطه بالأردن في الكونفدرالية المشار إليها، ما يعني شطبا للقضية من جهة، وإثارة لمخاوف الأردنيين من تكريس فكرة الوطن البديل من جهة أخرى، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا بحال من الأحوال. ونعلم بالطبع أن مناطق (أ وب) حسب تصنيفات أوسلو التي ستصبح بيد السلطة لن تستوعب أهلها، فضلا عن استيعاب آخرين من الخارج فيها.

لا الأردنيون يمكن أن يقبلوا بذلك، ولا أحد يمكنه فرض ذلك عليهم، لا سيما أن ترويج الفكرة عليهم بقصة الرفاه الاقتصادي القادم لن تمر بعد تجربة وعود وادي عربة التي ذهبت أدراج الرياح، ولا الفلسطينيون يمكن أن يقبلوا بشطب قضيتهم وتأبيد الاحتلال لتسعين في المئة من فلسطين بهذه الطريقة البائسة.

الفكرة خطيرة بامتياز، وإن كانت بعيدة في الوقت الراهن، والأمل أن يتم رفضها والتصدي لها من قبل الجميع، لكن المشكلة أن الرفض مع تأييد المسار السياسي الراهن (الحل الانتقالي بعيد المدى الذي يتحرك على الأرض، وإن رفضه ساسة السلطة قولا)، لن يحقق المراد، ومن دون مقاومة حقيقية تدحر الاحتلال، ولو عن كامل الأراضي المحتلة عام 67 مرحليا، فإن مصائب قد تكون بانتظارنا جميعا

عن الدستور