• 17 تشرين أول 2016
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : محمد خضر قرش 

حسنا فعلت جريدة القدس في افتتاحيتها يوم الأربعاء 11/5 من العام الجاري تحت عنوان “القدس بحاجة لأعمال وأموال لا مجرد مؤتمرات وخطابات" أكدت فيه أن عاصمة فلسطين الأبدية لم تعد بحاجة إلى مؤتمرات وخطب عنترية واجتماعات وتصريحات بقرب البدء ببرامج التمكين الاقتصادي، فهذه جميعا لم تعد تقدم ولا تؤخر ولا تحقق أي نتائج ميدانية ملموسة على الأرض لكنها بحاجة كما قالت إلى فعل وعمل ورصد أموال فحسب. فالخطط كثيرة في القطاعات العقارية والسياحية والمهن الحرفية والمشاريع الصغيرة وهي أكثر من أن تعد أو تحصى لمن أراد الاستثمار فعلا وليس قولا".

ونظرا لأهمية الموضوع فقد أعادت الجريدة التي تحمل أسم العاصمة في افتتاحيتها يوم الثامن عشر من نفس الشهر المذكور دعوتها إلى أهمية ترجمة الأقوال إلى أفعال جاء ذلك في تعقيبها على الاجتماع الذي عقد في كلية هند الحسيني في القدس لتدشين كما قيل" المباشرة في دعم مشاريع المدينة "وقد أمِلت الجريدة "أن يكون التحرك هذه المرة جديا وعلى مستوى التحديات وان تتم ترجمة الأقوال والتصريحات إلى أفعال" فالقدس في هذا الوقت بالذات لا تحتاج إلا إلى الأفعال والأعمال فحسب.

ومن جهتنا فليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نطلب فيها من الذين يدعون بأنهم يحبون القدس كثيرا ويعملون 18 ساعة يوميا من أجلها وأنهم يكرسون أنفسهم لخدمتها، أن يعزفوا أو يتوقفوا أو يكفوا عن مواصلة عقد المؤتمرات الاقتصادية للإعلان عن بدء تنفيذ المشاريع أو الدعوة لتشكيل أو تأسيس شركات استثمارية وعقارية بعشرات الملايين من الدولارات لدعم القدس وسكانها بما في ذلك السفر للخارج. فالمباشرة في تنفيذ المشاريع لا تحتاج إلى مؤتمرات ولا اجتماعات ولا إلى عقد هيئات عامة.فقد ملَ وزهق وقرف المقدسيون وخابت آمالهم من كثرة الوعود وعقد المؤتمرات .فمنذ أوسلو وحتى تاريخ كتابة هذا المقال عقدت عشرات المؤتمرات واللقاءات الصحفية داخل القدس وخارجها ونشرت الصحف الفلسطينية وخاصة "جريدة القدس" والمواقع الاليكترونية المختلفة تصريحات لكبار رجال المال والأعمال والذين يملكون مئات الملايين من الدولارات عن نيتهم إقامة مشاريع اقتصادية في القدس ودعوا إلى تأسيس صناديق ووقفيات لهذا الغرض كما استصدروا قرارات رئاسية عديدة لإعطاء عملهم الغطاء الرسمي والقانوني والتنظيمي. وحسنا فعل الرئيس محمود عباس حين أصدر ما يريدون من قرارات بما فيها تشكيل لجنة من عدة شخصيات مرموقة جدا!! وذات وزن اقتصادي ومالي وإقليمي، لكي لا يعطيهم أي مبرر للتهرب أو التملص من المسؤوليات.لقد فهم الرئيس مقاصد رجال الأعمال الكبار، فلم يتأخر في إصدار القرارات التي طلبوها لئلا يتحججوا ويبرروا تقاعسهم بعدم قيامهم بالمشاريع في القدس برفض الرئاسة إصدار القرارات الناظمة للعمل. وكان لهم ما أرادوا وما طلبوا. ومنذ ذلك الحين والمؤسسات والشركات التي أسست على الورق خصيصا من أجل الاستثمار في القدس والتي أضيف إليها فيما بعد الوقفيات والصناديق التي أنيط بها مهمة الاستثمار وتأمين مصادر تمويل تصل إلى مليار دولار كما صرح بذلك أحد كبار رجال المال وهي منشورة في جريدة القدس وبقية الصحف المحلية على نطاق واسع وباركها رجال الدين في تصريحات لهم، ما زالت تراوح مكانها. المقدسيون لم يصابوا بخيبة أمل فهم باتوا محصنين ومدركين تماما بأن كل ما يصرح ويكتب وينشر في الصحف من قبل المدمنين على الكلام غير المصحوب بالفعل ليس أكثر من فقاقيع صابون أو بقيعة يتوهم أصحابها أنه بالإمكان تسويقها وكأنها ماء، تماما كما حاول بلير وميتشل بيع الفلسطينيين السمك في البحر. فالمقدسيون بات على قناعة بأن رؤية القدر(الوعاء) الكبير على النار ليس بالضرورة أن يكون مقدمة لتجهيز الطعام أو أن هناك نية فعلية لذلك، مستذكرين في هذه المناسبة المرأة المسكينة التي لم تجد حيلة أمام ضيق الحال وصراخ أطفالها من أن تضع على النار القدر المملوء بالماء والحجارة لإلهاء أطفالها حتى يغلبهم النعاس. لكن أصحاب فكرة وضع القدر على الماء ربما نسوا أن المقدسيين ليسوا أطفالا وغير موجودين في صحراء معزولة. لقد باتوا على معرفة يقينية بما يحتويه القدر كما أنهم ليسوا جوعى لكي يتم إلهاؤهم. فالمقدسيون طبقا لذلك لم يعودوا يولون أو يهتمون بتصريحات رجال الأعمال والمال وخاصة الكبار جدا. كل ما يريده المقدسيون فعلا وحقا هو أن يكفَ هؤلاء عن عقد المؤتمرات وإطلاق التصريحات غير المصحوبة بالعمل وعليهم أن يتركوا المقدسيين وشأنهم. فهم الشوكة الفولاذية المستقرة دوما في حلق وبلعوم الاحتلال ليس بمقدوره بلعها أو سحبها أو تذويبها. فالمقدسيون لمن لا يعرف، يشكلون الرقم الصعب في معادلة القدس وتقرير مصيرها بعيدا عن تصريحات ومؤتمرات رجال الأعمال وبقيعة استثماراتهم الوهمية ووقفياتهم النظرية. المقدسيون يؤمنون بالمقولة البديهية التي تقول:" قد تخدع كل الناس بعض الوقت أو بعض الناس كل الوقت ولكن من المستحيل أن تخدع وتضلل كل الناس كل الوقت" فهذه الصفة أو الخاصية لم يحظَ بها رجل أو مؤسسة أو قائد قط منذ أن خلق الله البسيطة وحتى يومنا هذا. فيوم انكشاف وظهور الحقائق بات قريب جدا بل هو قاب قوسين أو أدنى، ساعة ذاك لن نحزن على مصير الذين يقولون ما لا يفعلون وسيصبحون محل تندر واستهزاء الفلسطينيين كلهم وليس المقدسيين فحسب وعند ذاك لن يرحمهم أحد قط.