• 24 نيسان 2017
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : المحامي زياد أبو زياد 

على مدى يومين متتاليين وجه كل من المطران منيب يونان رئيس مجلس أمناء مستشفى الأوغستا فيكتوريا /المطلع بالقدس والدكتور عرفات الهدمي رئيس الهيئة الإدارية لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بالقدس كل على حدة ، نداء للرئيس محمود عباس يناشدانه التدخل لحل الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها المطلع والمقاصد نتيجة تراكم الديون على السلطة الفلسطينية لعدم قيام وزارة المالية الفلسطينية بتحويل المبالغ المستحقة عليها لهذين المستشفيين اللذين يقدمان الخدمات الصحية للمرضى الذين يتم تحويلهم اليهما سواء من قطاع غزة أو من الضفة الغربية والتي بلغت عشرات الملايين من الشواكل بحيث بات المستشفيين غارقين في الديون سواء لموردي الأدوية والمواد الغذائية أو مصاريف تسيير العمل واضطرارهما للإقتراض من البنوك والمؤسسات المالية المتاحة حتى يستطيعا الإستمرار في أداء عملهما الإنساني.

ومن المؤكد أن كلا ً من المطران منيب يونان والدكتور عرفات الهدمي لم يكونا ليقدما على نشر هذا النداء لو لم تكن الأمور قد وصلت حدا ً لا يستطيعان السير بعده وأن اللجوء لمناشدة الرئيس عبر وسائل الإعلام ليس إلا صرخة الإستغاثة الأخيرة كتلك التي تطلقها السفن في اللحظات الأخيرة وهي توشك على الغرق.

ومع إدراك الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية وشح الموارد إلا أنه من غير المقبول أن تصل الأمور إلى اختناق أهم مرفقين فلسطينيين في القدس المحتلة يمثل وجودهما رمزا من أبرز الرموز والمعالم العربية الفلسطينية في القدس المحتلة.

إن الذي يتجول في شوارع القدس والمتتبع لما يجري فيها ليجد أن عملية التهويد والضم الفعلي الزاحف على الأرض تتبلور يوميا بل وفي كل لحظة ودقيقة وساعة. والحديث عن القدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية يبقى حديثا ًخاليا ً من أي مضمون إذا لم يكن واعيا على حقيقة ما يجري بالقدس وإذا لم يكن يملك الرؤية والإستراتيجية والخطة العملية لتحقيق تلك الإستراتيجية.

لقد استطاعت إسرائيل ومن خلال عمل دؤوب استمر سنين طويلة ومن خلال تخصيص الميزانيات والمبالغ الطائلة أن تتسرب إلى داخل كافة المؤسسات التعليمية الخاصة وأصبحت تتحكم فيها بشكل كامل وتملك التفاصيل والمعلومات الشخصية بما في ذلك رقم هوية كل تلميذ ومعلم وتتحكم فيمن يمكن قبوله ومن لا يمكن قبوله وتحاسب هذه المدارس ثم بدأت بتصعيد حملتها في تطبيق المناهج التعليمية الإسرائيلية في هذه المدارس وبشكل مبرمج ملفت للنظر ومثير للمخاوف.

واستطاعت إسرائيل ومن خلال نفس الأسلوب ربط سكان المدينة بصناديق المرضى الإسرائيلية (كوبات حوليم) ثم فتحت لها مراكز تحت مسميات عربية إلى جانبها وبخط أصغر الإسم الحقيقي لهذه المؤسسات الإسرائيلية واستقطبت كافة الأطباء الأكفاء للعمل لديها إلى أن وصل الوضع لدرجة أن الطب والتطبيب الخاص يكاد أن يكون معدوما ً. 

وفي ظل هذه الهجمة الممنهجة للسيطرة على قطاع الخدمات الصحية لم يعد أمام المطلع والمقاصد سوى القليل من المرضى المقدسيين ممن ألغي تأمينهم الصحي والمرضى المحولين اليها من قبل السلطة الفلسطينية بحيث أصبح مرضى السلطة هم المصدر الرئيس لدخل هذين المستشفيين وإذا لم يكن هذا الدخل مترجما ً إلى سيولة نقدية تتدفق الى حساباتهما فإن من المؤكد أن يكونا على حافة الإنهيار لا سمح الله.

وإلى جانب التعليم والصحة نلاحظ أن شوارع القدس العربية الرئيسية مثل شارع صلاح الدين والزهراء وابن بطوطة والحريري وغيرها تعج بالمحلات الإسرائيلية سواء العاملة في قطاع الإتصالات أو البنوك أو المحامين اليهود أو وكلاء الشركات الإسرائيلية وغيرها التي باتت تتكاثر كالفطريات.

هذه بعض ملامح التغيير الذي يجري على الأرض ، والتغيير الأهم هو التغيير الإجتماعي الذي نتج عن الإغلاق والحصار والذي نتج عنه توجه الشباب المقدسي للعمل في الداخل الإسرائيلي والتعرض لعمليات غسل الدماغ والاندماج وارتباط الكثير من العائلات المقدسية بمؤسسة التأمين الوطني ومكاتب عمل الهستدروت وغيرها.

هذه هي رؤوس أقلام مختصرة جدا ً لما يجري بالقدس ناهيك عن عملية تغيير الأمر الواقع التي تجري يوميا ً في المسجد الأقصى والتنكيل بالعاملين فيه وإصدار أوامر الإبعاد عن الأقصى بحقهم وبث حالة من الرعب بين الناس لردعهم عن التعرض لمحاولات التهويد الإسرائيلية.

هناك أبواب كثيرة لترشيد نفقات السلطة الفلسطينية وتوفير الأموال اللازمة لضخها في شرايين القدس التي باتت تعاني من الإنسداد والتجلط. ومن بين أبواب ترشيد النفقات التوقف عن صرف الرواتب المزدوجة لمئات كبار العاملين في السلطة إذ لا يعقل أن يتقاضى أحدهم راتب تقاعد وزير شغل هذا المنصب في الماضي وراتب عضو مجلس تشريعي لأنه اليوم عضو في التشريعي ومخصصات وخدمات وسائق ومرافقين وغير ذلك إذ أن القانون يمنع إزدواجية الرواتب وللموظف أن يختار الراتب الأعلى ويتنازل عن الراتب الآخر ، ولا بد أيضا من وضع حد لآلاف الأشخاص المفرغين على منظمة التحرير ولا يقومون بأي عمل سوى البقاء في بيوتهم أو التسكع في الشوارع أو التنقل بين عواصم العالم ، ولا بد أيضا من وضع حد للآلاف المفرغين على الأجهزة الأمنية ويتقاضون الرواتب الشهرية والمخصصات من أجهزة أمنية لا يعرفون أين مقارها ، ولا بد أيضا من التوقف عن صرف مخصصات المكاتب والسفر عن أعضاء المجلس التشريعي الذي انتهت مدنه منذ سبع سنوات...

هذا غيض من فيض ، وهناك العديد من الأمور الأخرى مثل شد الأحزمة على البطون وترشيد الصرف الحكومي ودفع مستحقات المستشفيين لأن إنقاذهما واجب.