• 9 آذار 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :   محامي زياد أبو زياد

 

إطلاق النار على سيارة الأخ أحمد حلس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في غزة مساء أول من أمس ليس بالضرورة محاولة لاستهدافه شخصيا ً باغتياله وإنما هو على الأرجح يستهدف اغتيال أية فرصة للإقتراب نحو المصالحة ، والعمل لتكريس الإنقسام وتعزيز الجهود المبذولة لتنفيذ اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل.

فكل المؤشرات تفيد بأن اتفاق التهدئة يكاد أن يصل الى المحطة الأخيرة وأي تقارب أو تصالح بين فتح وحماس سيعرقل ذلك، كما أن هناك مؤشرات تفيد بالمرونة في موقف حماس من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بتخليها عن شرطها المسبق بأن تجرى الانتخابات للتشريعي والوطني والرئاسة في آن واحد.

وإذا ما حدث انفراج بين فتح وحماس فإنه سيعرقل اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل ويعطل مصالح المستفيدين سياسيا ً أو ماديا ً من تنفيذه.

ولذلك فإن من الحكمة عدم الانجرار العاطفي السريع نحو توجيه الاتهامات والدخول في المهاترات الإعلامية ، وإنما مطالبة الأجهزة الأمنية في غزة الكشف عن هوية من قام بتلك المحاولة الجبانة التي ليست هي الأولى من نوعها وإنما سبقتها محاولة تفجير موكب الأخ د. رامي الحمد الله رئيس الوزراء والأخ اللواء ماجد فرج مدير المخابرات العامة أثناء آخر زيارة قاما بها لغزة وإطلاق النار على سيارات عدد من الأخوة منهم د. سفيان أبو زايدة والنائب ماجد أبو شماله والنائب د. حسن خريشه والنائب حسام خضر وغيرهم.

وتأتي هذه العملية مباشرة في أعقاب الزيارة الأخيرة التي قام بها الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية لغزة والتي ربما تكون نقطة تحول نحو إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة التي فقدنا الأمل في إمكانية تحقيقها نتيجة لتمترس قطبي الإنقسام فتح وحماس وراء مواقف متشددة لا تسمح بأي اختراق للجمود القائم. 

فالأنباء الأخيرة القادمة من غزة تفيد بأن حركة حماس مستعدة للذهاب فورا ً لانتخابات تشريعية ورئاسية وتأجيل انتخابات المجلس الوطني الى وقت لاحق بعد أن كانت تصر على إجراء الانتخابات للمجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة في آن واحد. وهذا الموقف الجديد من حماس يقابله حتى الآن موقف من فتح بالاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية فقط وتأجيل الرئاسية والمجلس الوطني الى وقت لاحق.

ولا شك بأن طلب إجراء انتخابات تشريعية فقط وتأجيل الانتخابات الرئاسية لا يحظى بالتأييد الشعبي بشكل عام ولا يحظى أيضا ً بتأييد فصائل العمل الوطني الأخرى التي تطالب بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية معا، وإعادة تفعيل م ت ف.  وبالتالي فإن على حركة فتح أن تستجيب لرغبة الشعب وموقف الفصائل وأن توافق على إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في نفس الوقت مما سيتيح تجديد شرعية البرلمان وولاية الرئيس ويضعنا على بداية الطريق الصحيح لترميم الدمار الشامل الذي لحق بمنظومة القوانين والتشريعات الفلسطينية وكذلك بكافة الدوائر والمؤسسات والهيئات والأطر الفلسطينية وعلى رأسها مجلس الوزراء ، والتي تعمل جميعها في ظل فوضى تشريعية مخالفة للقانون الأساس ، وفراغ قانوني منذ عام 2007 ، أدخلها جميعا ً في مربع الحكم غير الرشيد المشوب بتهمة الفساد. ونحن اليوم بأمس الحاجة الى برلمان منتخب يعبر عن إرادة الشعب والى رئيس يستمد شرعيته من صناديق الإقتراع لا من الأمر الواقع وهذا لن يتحقق إلا من خلال الانتخابات.

ولا شك بأنه سيكون من الصعب على المواطن أن يفهم أو يبرر إصرار حركة فتح على إجراء انتخابات تشريعية فقط ورفض إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر، وبالتالي وإذا ما أرادت فتح أن تظل تتمتع بثقة المواطن العادي فإن عليها أن تبادر هي الأخرى بقبول إجراء انتخالات تشريعية ورئاسية  معا ً طالما أن حماس قبلت التنازل عن مطالبتها بإجراء انتخابات المجلس الوطني مع التشريعي بعد أن كانت تربط بينهما منذ فترة طويلة. فهذا التنازل الحمساوي هو خطوة وبادرة إيجابية تتيح ولو نظريا ً فرصة حقيقية للبدء في مسيرة إنهاء الإنقسام.

أقول نظريا ً لأنه حتى لو توفرت موافقة الطرفين على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وتأجيل انتخابات الوطني الى وقت لاحق فإنه لا بد قبل ذلك من إتخاذ إجراءات وخطوات تعزز بناء الثقة بين الطرفين وتهيء الأجواء الإيجابية على الساحة ومن بينها إطلاق سراح المعتقلين عند الجانبين والغاء بعض السميات السيادية في غزة والتي تؤكد الانفصام مثل وجود نائب عام في غزة خلافا ً للقانون الأساسي والعمل على تجاوز العقبات العملية على أرض الواقع والتي تتطلب حلولا ً إبداعية تتيح إجراء الإنتخابات.

فالإنتخابات أية انتخابات تتطلب الحفاظ النظام العام والهدوء الذي يوفر الأجواء لاجراء انتخابات حرة ونزيهة ، كما تتطلب توفير آلية تتيح للناخب  ممارسة حقه في الطعن بالإنتخابات وفق الأسباب والحالات التي يحددها القانون. وهنا تكمن المشكلة حيث نصطدم بحقائق الأمر الواقع التي خلقها الإنقسام ، وأقصد : من هي الجهة التي ستحافظ على النظام العام ، ومن هي الجهة التي ستمارس مهمة القضاء للبت في الطعون الإنتخابية. 

فالشرطة والأمن في قطاع غزة هي في يد حماس بالمطلق لا شريك لها ومن المؤكد أن هذه الشرطة والأجهزة الأمنية الحمساوية منحازة ولو عاطفيا ً الى حماس وبالتالي فإن سيطرتها وإشرافها المطلق على الانتخابات سيجعل هناك شبهة كبيرة جدا ً في عدم سلامة الإنتخابات نتيجة لشبهة تدخل الشرطة والأمن لصالح حماس. ونحن أمام نفس الحالة في رام الله.

والأمر الآخر هو أن قانون الإنتخابات حدد مرجعية قضائية وآلية وإجراءات أمام المواطن للجوء الى القضاء للطعن في هذه الانتخابات. والمعلوم هو أن اثني عشر عاما ً من الإنقسام قد أسفرت عن تبلور جهاز قضائي في غزة مواز للجهاز القضائي في الضفة وليس جزءا ً منه وهذا الجهاز القضائي مطعون في شرعيته ويجعله غير مؤهل للتعامل بنزاهة مع الطعون الانتخابية كما أن القبول بولايته يعني القبول بشكل غير مباشر بشرعية الانقسام الذي نرفضه ونطالب بإجراء الانتخابات من أجل انهائه والتخلص منه.

فالسؤال إذن هو من هي الجهة الأمنية والشرطية التي ستشرف على الانتخابات في شطري الوطن ومن هي الجهة القضائية التي ستكون لها صلاحية البت في الطعون الانتخابية دون أن يكون هناك أي شك في شرعيتها أو نزاهتها. وهل يمكن أن تُجرى الإنتخابات والآلاف من أتباع حماس وفتح في السجون لدى الطرفين.

هذين الأمرين الأمن والقضاء بالتحديد ، يتطلبان الاتفاق أولا ً على من سيقوم بحماية صناديق الاقتراع وسلامة الناخبين ومنع أية فوضى في الشارع أو في محيط صناديق الاقتراع وحفظ النظام العام لكي لا يتم المساس بشرعية الانتخابات ونزاهتها. بينما يتطلب الأمر الثاني تحديد الجهة القضائية التي ستتولى صلاحية النظر في الطعون الانتخابية دون أن تكون تابعة أو منحازة لأحد من طرفي الإنقسام..  

هذا الأمر يتطلب مواقف جدية وحسن نوايا ورغبة حقيقية في إنهاء الانقسام لا البحث عن معوقات نواجهها عند أول خطوة نخطوها على طريق المصالحة . 

فلنأمل بأنه سيتم التقاط الفرصة ، والتعامل بصدق وحسن نية من أجل الإبداع في إيجاد الحلول المقبولة لدى الجميع للاتفاق حول من سيقوم يتوفير ألأمن والنظام ، وكذلك سلامة تنفيذ كافة المراحل التي أقرها القانون من أجل نزاهة العملية الانتخابية بدءا بالتسجيل وإعلان القوائم الانتخابية وانتهاء بالطعون والبت فيها وإعلان النتائج ، وبالطبع إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين لدى الطرفين ليساهموا في عرس الإنتخابات.