- 20 آذار 2024
- مقدسيات
القدس - أخبار البلد - يعيش المجتمع الاسرائيلي من السابع من اكتوبر تشرين اول الماضي حالة من عدم الاستقرار رفعت عنده مستوى التطرف الى مستويات لم تكون موجودة في الماضي او على الأقل لم تكن ظاهرة، هذا التطرف تمثل بقتل جماعي في قطاع غزة ومحو لكل ما هو فلسطيني هناك، بل تمثل أيضا في تبرير قتل الأطفال والنساء والشيوخ من قبل الاسرائيلين عامة ، لدرجة ان هناك شعارات منتشرة حاليا في إسرائيل مثلا "اما نحن او هم " ،و " لا يوجد برئ في غزة كلهم ارهابيين ".
هذه التوجه المتطرف والعنصري لم يقابل بأي رد فعل او موقف من قبل ما كان يسمى اليسار الإسرائيلي والذي لا زال صامتا حتى اليوم بعد مرور اكثر أربعة أشهر على القتل في قطاع غزة، مما يؤكد ما قاله احد الاصدقاء بان اليسار هو فقط لتجميل اسرائيل وتزين الاحتلال بشعارات اثبتت انها لم تحقق اي من السلام المزعوم .
المثير للرعب في هذا الخطاب المتطرف الذي يسود المجتمع الاسرائيلي ان لهيبه وصل الى الاسرائيليين انفسهم ولم يقتصر على الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية . كما هي حكاية المخرج الإسرائيلي الشاب يوفا ابراهام الذي فاز بالشراكة مع مخرج فلسطيني باسل العدرا بجائزة أفضل عمل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، ذلك الفيلم ( لا ارض اخرى) الذي تحدث عن معاناة سكان مسافر يطا جنوب الخليل بسبب الاحتلال والمستوطنين . الهجوم الكبير على المخرج الإسرائيلي بسبب انتقاده للحرب على قطاع غزة دفعه إلى عدم العودة لاسرائيل في الوقت الحالي خشية على حياته، بل ان عائلته اضطر الى الانتقال لمنزل اخر بعد وصول تهديدات لها من قبل المتطرفين الإسرائيليين
هذه الحكاية نشرتها صحيفة هارتس وترجمتها للغة العربية وتقوم " أخبار البلد" ننشر مقاطع من الحكاية:
" مساء يوم السبت، بدا لوهلة أن العالم يعود الى العقلانية ويرسل إشارات تبعث على الأمل وسط كل حالة الفوضى والألم التي تعيش فيها هذه الدولة مؤخراً. "لا أرض أخرى"، الفيلم الذي أنتجه سوية أربعة مخرجين شبان، إسرائيليين وفلسطينيين، فاز بجائزة الفيلم الوثائقي الأفضل في مهرجان برلين السينمائي، الذي يُعتبر أحد اهم المهرجانات السينمائية في العالم. جاء الفوز عكس كل التوقعات والاحتمالات، خاصة وأنّ أياً من المخرجين الشبان الأربعة لم يكن قد أخرج أي فيلم في السابق. اثنان منهم كانا قد حزما جميع أمتعتهم وعادا إلى البلاد. الاثنان الآخران حضرا مراسم الاختتام الاحتفالية في برلين، وفور الإعلان عن الفوز صعدا إلى المنصة لاستلام الجائزة وألقيا خطاباً ممتلئاً بالتأثر والانفعال.
أوضح الفلسطيني باسل العدرا، من على المنصة، أنه من الصعب عليه الاحتفال بينما عشرات الآلاف من أبناء شعبه يُذبَحون في قطاع غزة والمنطقة التي يسكن فيها، مسافر يطا، تتعرض للمحو والهدم بواسطة الجرافات الإسرائيلية (هذه هي قصة الفيلم)، ثم توجه بعد ذلك على الفور إلى الحكومة الألمانية وطلب منها التوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل.
بينما شرح يوفال أبراهام المخرج الإسرائيلي للجمهور الفجوة في حقوق كل منهما في البلاد التي يعيشان كلاهما فيها . "أنا أعيش تحت نظام مدني وباسل ـ تحت نظام عسكري. نحن نعيش على بُعد 30 دقيقة عن بعضنا البعض، لكن أنا أتمتع بحق الانتخاب، بينما لا يتمتع باسل بهذا الحق. أنا حرّ في تحركات وتنقلات أينما شئت، بينما باسل مسجون في المناطق المحتلة"، قال أبراهام. كما ذكر أيضاً كلمة "أبرتهايد" وأشار إلى كلمة "احتلال" وأعرب عن أمله في وقف الحرب في أسرع وقت ممكن. لكنه لم يكن يتخيل أي موجة شرور واتهامات ستحدث في أعقاب خطابه.
وكانت حقيقة أن متحدثين آخرين في تلك الامسية أعربوا عن التضامن مع الفلسطينيين ودعوا إلى وقف إطلاق النار من على المنصة، قد دفعت السفير الإسرائيلي في ألمانيا، رون بروشاور، إلى شن هجوم على المهرجان في اليوم التالي متهماً إياه قائلاً "تحت ستار حرية التعبير والحريات الفنية، يحتفي ببلاغة لاسامية ومعادية لإسرائيل". وأعلن مجلس بلدية برلين أنه سوف يشرع في التحقيق في ما جرى خلال حفل توزيع الجوائز "لفحص ما إذا كان المهرجان قد عمل لضمان عرض تشكيلة الآراء والمواقف المختلفة، أم تخاذل في مهمّته". وبرزّت فوق الجميع قناة "كان 11" في التلفزيون الإسرائيلي حينما بثت تقريراً عن فوز فيلم "لا أرض أخرى" تضمن الكلمتين اللتين ألقاهما أبراهام والعدرا من على منصة المهرجان وألصقت به العنوان التالي: "الخطاب اللاسامي الذي ألقاه الفنان الإسرائيلي".
من هذه النقطة بدأت الأمور تتدهور بوتيرة سريعة. فقد وجد أبراهام نفسه تحت هجوم مخيف من الشتائم والتحريض في شبكات التواصل الاجتماعي. وصفوه بأنه منافق، كما في المنشور الطويل والغاضب الذي نشره الناشط في الإعلام الإسرائيلي يوسف حداد، الذي كتب: "لقد مللنا هذا التلون والنفاق وهؤلاء المواطنين الذين يعيشون بيننا وأكثر مما يحبون أنفسهم، يكرهون بلادهم". في حالات أشد خطورة، وصل الأمر حد التهديدات على حياته: "أريد أن أراك تعود إلى البلاد يا ابن الزانية"، كتب له شخص ما. "فلطسينازي مصاص دماء، خسارة أنهم لم يأخذوك إلى غزة، لكنتَ قد تلقيتَ ما تستحقه، منذ زمن. أتمنى أن ترى عائلتك تُقتَل وتُغتَصَب قبل أن يأخذوك لمائة يوم من الاغتصاب"، كتب له شخص آخر، لطيف بشكل خاص.
بعد يوم واحد من وصوله إلى قمة العالم، وجد أبراهام نفسه يُواجِه سيلاً من الكراهية. يوم الأحد استقل طائرة إلى إسرائيل، هبط في الطريق في اليونان، وهناك رأى إعصار الكراهية ضده يبدأ بالهيجان. "أرسلوا لي التقرير الذي بثته قناة "كان 11" والذي عُنوِّن ب-"الخطاب اللاسامي الذي ألقاه الفنان الإسرائيلي"، وفي المقابل، بدأت أتلقى على حسابي في انستغرام وفيسبوك عشرات، إن لم تكن مئات، الرسائل التهديدية من قبيل "عُد إلى البلاد فقط، يا ابن الزانية، نحن بانتظارك"، "سأقبض عليك في المطار" وغيرها. رغم أنني صحفي وقد كتبتُ مراتٍ عديدة في الماضي أشياء أكثر نقدية حتى مما قلت في الخطاب، إلا أنني لم أشعر بمثل هذا الشعور من قبل، قَطّ، ولم أتلقّ مثل هذه الردود القاسية جداً. كان الأمر مخيفاً جداً، احترتُ هل أعود (إلى البلاد) أم لا، ثم قررتُ في النهاية تأجيل رحلتي الجوية. وهذا هو السبب في أنني أتحدث إليك من اليونان، لأنني خفت. كان الأمر يبعث على التوتر والخوف".
ابراهام روى أيضاً أن أبناء عائلته قرروا ترك منزلهم مؤقتاً والانتقال إلى شقة سكنية أخرى، في أعقاب وصول أشخاص غرباء إلى منزلهم، والبحث عنهم ونعتهم بالشتائم.
أبراهام، 29 عاماً، صحافي في "سيحا ميكوميت" (بالعربية محادثة محلية)، ينوّه أن هذا كله لم يكن مبعث ضغط فحسب، بل كان مُهيناً أيضاً. "لأنّ 'كان 11' هي قناة أجرت مقابلة معي في الماضي وفيها أشخاص زملاء لي، صحافيون أكنّ لهم التقدير. وحين ظهر خطابي تحت عنوان "لا ساميّ" كان الأمر صادماً لي جداً. شعرتُ بأنّه قد تم هنا تجاوز حدود معينة. أنا أعلم أن هنالك الكثير من الانتقادات على الأمور التي قيلت هناك، وهذا عادي ومقبول وأنا أشجع النقد، لأني أعتقد أنه من الشرعي تماماً أن يُسمع الناس نقدهم وانتقاداتهم، وبشكل عام أنا إنسان يُصغي للنقد. لكنّ وصف خطاب فنان إسرائيلي بأنه "لا ساميّ" هو ضربٌ من الجنون، وأنا آمل جداً أن يعتذروا عن ذلك لأنني شعرتُ، حقاً، بأنهم يُهدرون دمي"، يقول. في الرسالة التي وجهاها، باسمه، إلى "هيئة البث كان"، طالب المحاميان ميخائيل سفارد وألون سابير المدير العام، غولان يوخباز، بتقديم اعتذار يجري بثّه ونشره كتابياً وإزالة النشر الذي عُرض فيه خطاب الفوز في مهرجان برلين أنه "لا ساميّ" من جميع وسائل البث التابعة لهيئة البث الرسمية. "يبدو أنه ليست كراهية اليهود، وإنما التوق إلى المساواة بين الشعوب هو هو اللاسامية في نظركم"، كتب المحاميان في رسالتهما. "من الصعب تخيُّل حالة من التشهير أقسى وأخطر من هذه التي نشرتم (بل وفي ملابسات القضية هنا: تحريض حقيقي وجدّي على العنف ضدّه)، والأمور أشدّ خطورة بكثير عندما تنشرها هيئة البث العامة ضد صحافي معروف، بل كان قد تعاون بضع مرات في الماضي مع هيئة الأخبار ذاتها التي اختارت الآن تشويه سمعته بهذا الشكل الفظ للغاية".