• 10 نيسان 2024
  • مقدسيات

 

يكتبها : احمد هيمت 

 

 يحرص كل مقدسي على أن لا يدخل منزله بعد صلاة العصر او حتى بعد صلاة التراويح إلا وبيده عدد من البرازق  فهذا المنتج الرائع  اصبح من اهم معالم مدينة القدس كحال الكعك المقدسي وسور المدينة ، والبلدة القديمة .

 تلك القطعة الهشة والمقرمشة المصنوعة من الدقيق المغطاة بالسمسم المحمص ، وتفوح منها رائحة خرافية نتيجة ملامسة النار الخفيفة  لها داخل الفرن القديم من الحطب في حارات البلدة  القديمة ، يحتاج صنعها الى مهارة غير عادية ووفق مواصفات خاصة ، ومن هنا جاء تفرد مدينة القدس بهذا المنتوج الرمضاني بامتياز  ، الذي يحمل في طياته بركة الشهر الفضيل  فلا يكاد شخص يخرج من البلدة القديمة بدون ان يشترى البرازق، بل ان المقدسيين على استعداد للبحث عن أفضل من يقوم بصنع البرازق والانتظار لفترة طويلة من أجله ، فالسؤال دائما مطروح على المقدسي فور وصوله البيت : 

اين البرازق ؟ 

 ووصف الدكتور علي قليبو الخبير الاجتماعي مؤلف عدة كتب عن القدس وتاريخها الاجتماعي  البرازق بقوله : " 

 تتوارد إلى الذهن في رمضان مجموعة متناسقة من الروائح والمذاقات، أُميّز من بينها "القطايف" والـ"كلاج" وال"برازق"  فما يكاد ينتهي شهر شعبان حتى تنتشر "المناصب" والأكشاك الخاصة بصنع القطايف، وتظهر على رفوف المتاجر أوراق الكلاج الرقيقة إلى جانب صناديق الجوز وأطباق الجبنة الحلوة وتحل البرازق مكان الصدارة بالافران المقدسية عوضا عن الكعك بسمسم الذي يستلذ المقدسيون بطعمه كل صباح  بقية اشهر السنة.

 ويضيف " في القدس ينطق حرف القاف بصورة عامة ألف، فتلفظ كلمة "قطايف" بالهمزة "أطايف"  اما البرازق  "جمع برزقة"  فتصبح "برازيء"  ولا يعرفها سوى المقدسيون وتكتسب اسمها من المصدر الثلاثي "رزق" أي رزقة رمضان  فالبرازق هي كناية عن بركة رمضان  وهي عبارة عن عجينة رقيقة جدا بسمك ربع سم يفرد على أحد جوانبها كمية وفيرة من السمسم  المحمص حتى يلتصق بها وتخبز في الفرن حتى تصبح ذهبية اللون وتصبح مقرمشة وتباع بالأفران البلدة القديمة او على البسطات التي يباع عليها كعك القدس بقية أشهر السنة الهجرية.

 ويعتبر مخبز الرزام في حارة السعدية ابرز مخبز يتخصص في هذا الشهر بصناعة البرازق حيث تتوارث العائلة هذا العمل من الاجداد، اما بقية العام فان المخبز الذي يعتمد على الحطب وهذه ميزة  ذات نكه\ وطعم خاص يقوم بصنع الكعك المقدسي المعروف . 

 ووفق أقوال جواد الرازم أحد  العاملين في الفرن فان صناعة البرازق تبدأ منذ ساعات الفجر وتستمر حتى ساعات متأخرة من المساء وتبدأ  بعجن الطحين و تقطيعه لكرات صغيرة بعد ذلك تترك  لترتاح، لتأتي مرحلة رقّ العجين مرة أولى وثانية بشكل رقيق جدا،  وتنظيف العجين من الطحين، والمرحلة الثالثة هي من أهم المراحل وهي دهن كل الرقائق بالسكر والماء في الماضي كان في الماضي يتم تغطيتها بالدبس ( العسل الاسود)  ولكن تم استبداله بالسكر لأنه يسبب حموضة، كما أن السكر يبقى لون البرازق أشقراً عند الخبيز. وتغطيها بالسمسم، وآخر مرحلة خبزها داخل فرن الحطب الذي يعطى ميزة آخر ومذاق مختلف للبرازق ،

 ورغم أن سعر البرازق  من مخبز الرازم هي الأعلى في القدس عامة الا انه محط اهتمام المقدسيين الذين يحرصون على شرائه ، بل ان يوسف اسعد ٤٥ عاما من حي شعفاط يحرص على شراء كمية كبيرة  من البرازق في أواخر شهر رمضان لإبقاء هذه الرقائق اللذيذة لما بعد رمضان ، للاستمتاع  بها أثناء شرب الشاي والقهوة  خاصة وانها تختفى في الايام العادية حتى طعمها لن يكون مثل تلك التي تصنع في رمضان ، فهذه بركة الشهر . 

وبعد أن تخرج من باب الساهر وقد حصلت على البرازق  من عند مخبر الزاوم عليك الحصول على قطايف الارز  الأشهر في القدس ذو النكهة المعروفة التاريخية ، حيث  يصف عالم الاجتماع ابن القدس الدكتور علي قليبو ذلك المشهد : يشتري أهل القدس القطايف وهي القشرة الخارجية من العجين المقلي على صاج حديدية بقليل من الدهن بالكيلوغرام، فيضعون على الجانب غير المقلي بعض الجوز المطحون ممزوجًا بالسكر والقرفة، ثم تطوى على هيئة هلال، تُقلى أو تخبز القطايف المحشوة في الفرن، لكن أهل القدس مولعون بالسمن البلدي، لذلك تجدهم يفضلون القطايف المقلية "بالسمنة البلدي".

 في الماضي كانت تُعدّ "السمنة البلدى" من أهم عناصر الطبيخ الفلسطيني، فإنّ خلا الطعام الفلسطيني المطبوخ من عنصر الدسامة، فإنه يصبح بنظرهم مجرد "نواشف" لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تليق بالضيف، القطايف المقلية بالسمنة البلدية و المغمسة بالـ"قطر" هي من أهم حلويات رمضان.

ومعروف أنه ليس بالإمكان اقتناء هذه الزبدة البلدية بصورة ارتجالية من السوق، لذا يحرص المقادسة على إقامة "علاقات ثابتة" مع الأعراب "التعامرة أو السواحرة" ليضمنوا جودة الزبدة

وتشتري الزبدة في فصل الربيع إلا أن المقادسة يفضلون فترة "صيام الروم" كأحسن وقت لطهيها -أي لقطعها- ما زلتُ أذكر الوعاء الفخاري الخاص بالسمنة البلدي، حيث كانت تُحفظ طوال العام، والذي استعيض عنه الآن "بالبرطمانات الزجاجية"

أمّا "القطر" فيُوضع حسب إرشادات جدتي، بغلي الماء مع السكر وإضافة كمية ضئيلة من الليمون حتى يتخثر المزيج، وبعد ذلك يمكن أن يُضاف إليه بعض ماء الزهر.

ويكمل قليبو حديثه الرمضاني  والحلويات فيه  وذكريات جدته: 

بالإضافة إلى القطايف، فإنّ كل ربة بيت تفخر بمهاراتها بصنع رقاق "الكلاج" وتختلف أساليب حشوه سيان كانت بالجبنة الحلوة أم بالجوز، فالبعض يلقون رقاق الكلاج المصنوع من سميد ونشاء، حول الحشو المذكورة، والبعض الآخر يضع الطبقة الواحدة من رقائق الكلاج بعد دهنها ورشها بالسمن البلدي ، حتى الطبقة الخامسة، بعد ذلك يضعون طبقة من الجوز أو الجبنة و يغطونها بخمس طبقات أخرى من رقاق الكلاج، وبين الشريحة والأخرى يرشون الحليب ويدهنون السمن، بعد ذلك يضعون الصينية في الفرن حتى يحمّر لونها فتخرج ويسكب سائل القطر فوقها، وتُقدّم ساخنة.

 إنها القدس وتراثها الرمضاني الذي تتناقله العائلات عبر الاجيال على امل الحفاظ عليه فهو جزء من الهوية الثقافية الاجتماعية للمدينة .