- 2 آيار 2024
- نبض إيلياء
بقلم : خليل احمد العسلي
استكمالا لحديث الانتماء الى القدس اولا ، والعودة الى بديهيات حياتنا وبالتحديد في زمن الحروب التي تسحق فيها الانسانية سحقا قبل ان يطحن البشر بعضهم بعضا ، وقد صدق الكاتب الأمريكي "هنري فوسديك" عندما كتب " اسوأ ما في الحرب اننا نستخدم افضل ما لدينا من اجل ممارسة اكثر الافعال بشاعة ".
وفي حالتنا فإن الحرب مهما كانت هي غير متكافئة لدرجة أنه لا يمكن أن يطلق عليها مصطلح حرب ، بل هي انتقام لابعد الحدود لإظهار مقدار توحش القوة المطلقة أمام شعب لا يملك إلا الدعاء لله، وسط تصفيق مخجل من قبل المسلمين والعرب للقوة الغاشمة وتشفي بالشعب الفلسطيني الذي لم يفعل أي شيء للعرب ولا للمسلمين وجريمته الوحيدة أنه شعب يخضع للاحتلال وأنه ينتمى لهذه الامة التي فقدت كل عناصر وحدتها.!!
ولكن وكما قال احد الاصدقاء الدبلوماسيين الشبان الأجانب في حديث عابر ذات يوم في القدس :
يا صديقي في منطقتكم لا يخضع أي شيء للمنطق والقوانين والأعراف الدولية ، عندكم ( اي نحن ) لا يمكن أن تفكر بطريقة منطقية حول أمور لا منطقية تحدث وفق معايير غير منطقية لواقع غير منطقي .
وفي خضم هذا اللامنطق الذي نعيشه بدأت تتصارع الأفكار وتثار التساؤلات الوجودية الملحة حول الهوية والمستقبل والوطن ، وبدأنا نسمع بعض الشبان يتساءلون:
اين وطني ؟
وما هي حدوده؟
ما هو مستقبلنا هنا؟
من انا اصلا؟!
وغيرها من اسئلة تبدو أكثر فلسفية ولكنها واقعية بعد الصدمة التي حلت ولا تزال تحط على الشعب الفلسطيني عامة وذلك المنكوب منه في غزة بشكل خاص ، اسئلة قد تبدو الاجابة عليها في هذا الوقت بالذات ضربا من ضروب التسرع و الهلوسة والجنون ولكنها اسئلة ملحة لمعرفة خطوات المستقبل لهذا الجيل وللأجيال القادمة .
وهناك تذكر ما قرأته ذات يوم في نفس الإطار ولكن في زمن بعيد ( كم ان التاريخ يعيد نفسه وكأن العرب لم يفقهوا ولم يتعلموا ولم يفعلوا ) للاديبة المبدعة التي ظلمها اهلها قبل ان يظلمها الزمان " مي زيادة" كنت قد قرأت في مجلة قديمة صادرة عام ١٩٢٢ ، كلمتها في احتفال وداع والدها ، بحضور كبار المثقفين والشخصيات المصرية ( عندما كانت مصر ام الدنيا ومحج جميع المثقفين في العالم العربي ) ، اقتبس جزءا بسيطا مما قالته في محاولتها للإجابة على سؤال :
اين وطني؟
اين وطني ، يا من تقدمتموني في حياة الأمة فأناخ عليكم الدهر بكلكله، فما تركتم لي غير ميراث موزع الأجزاء مقطع الأوصال؟ .
اين وطني، أيها المتقاذفون بالحجج والأدلة المتمادون في التأويل والتحريف، حتى نسيتم في غضبكم الغرض الذي لأجله تغضبون ؟
اين وطني أيها الجيل السائر امامي ، الطالب مني الخضوع والامتثال ولكنك لا تستطيع ان تنتحي لي في الحياة سبيلا، وها انا بين ترددك وترددي في عناء وشقاء؟
اين وطني ، ايها الارض التي هي انت وطني، اين وطني ؟!
بالطبع لم تحصل الاديبة " مي زيادة" على اجابة شافية من الحضور ولكنها أبقت السؤال معلقا في الهواء منذ ذلك الوقت ونحن نحاول الاجابة على هذا السؤال وغيره من اسئلة كنا نفضل تأجيل الرد عليها، خشية مواجهتنا لانفسنا بالحقيقة، حان وقت البحث عن الاجابة حتى نتمكن من المضي قدما ….
ونرغب في هذه العجالة تذكير العرب بابيات الشاعر الكبير اليازجي والتي علقت على أبواب الكنائس قبل المساجد :
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
لقد طفا الخطب حتى غاصت الركب
وللحديث بقية….
إن بقى في العمر بقية