• 29 آيار 2024
  • مقابلة خاصة

  القدس - أخبار البلد -  كتب أحمد هيمت : 

يقف الحاج سعيد مصطفى ٦٧ عام  من حي باب حطة في البلدة القديمة  مذهولا أمام ما تبقى من هيكل الشجرة القديمة  في الساحة الغربية من  المسجد الاقصى بعد ان سقطت تلك الشجرة التي كانت مسرح طفولته وملجأ اطفال الحي من حرارة الصيف أثناء تواجدهم في المسجد  والذي كان المتنفس الوحيد لأبناء البلدة القديمة  فهو الساحة الوحيدة المفتوحة التي تسمح للأطفال وعائلاتهم بالتنفيس عن أنفسهم والجلوس في رحاب الأقصى  بين الصلاة والصلاة .

" ان الاشجار في المسجد الاقصى ليست مجرد أشجار عادية بل هي مباركة ، تعرفنا  فردا فردا ،  ونعرفها  نحن ابناء البلدة القديمة شجرة شجرة ، ولكن مع السنين بدأت هذه الأشجار بتهاوي واحدة تلوى الاخرى ، انه شيء مرعب يا صديقي ، فأشجار الاقصى مقدسة كما هو المكان ولنا حكايات معها " 

وكان الحاج سعيد مصطفى يتحدث عن شجرة البطم الاطلسي الذكري التي يزيد عمرها عن المائة عام والتي سقطت في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الماضي بعد أن نخرتها الأمراض من الداخل و عجزت عن الصمود أكثر أمام العوامل الجوية والأحوال الاحتلالية .

هذه الشجرة  كانت تقف حارسة على مدخل المكتبة وفي ساحة المتحف الإسلامي تراقب طيلة هذه السنوات ما يحدث في باب المغاربة الذي استولى عليه الجانب الإسرائيلي فور احتلال القدس عام سبعة وستين  كانت تقف شامخة  كأنها تقول لابناء القدس انظروا الى وابقوا شامخين .

 بل إن هناك روايات شعبية  أصبحت أسطورية تروي عن هذه الشجرة كما تقول الحاجة أم زهدي ٧٨ عاما من حارة السعدية والتي  تحرص على  التواجد طيلة الوقت في الأقصى حبا وعشقا وواجبا ودفاعا  : 

" هذه الشجرة استظل بظلها الملايين من الأطفال والمصلين عبر سنوات حياتها الطويلة ، وكانت جزءا من الحيز العام ومن الاقصى ، حتى ان بعض الجيران اخبروني انهم شاهدوا ما يشبه الدموع على جذع الشجرة بعد مذبحة صبرا وشاتيلا  التي وقعت بحق الفلسطينيين في لبنان وراح ضحيتها المئات "  

 وقال أحد قدامى موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية  طالبا عدم ذكر اسمه بأن هذه الأشجار المباركة في الاقصى مستهدفة من قبل السلطات الإسرائيلية بل ومن قبل اليهود المتطرفين حيث اكتشفنا قبل سنوات قيام بعض المستوطنين والسياح اليهود بإلقاء مواد سامة على الأشجار .

 واكد في حديثه ان دائرة الأوقاف تواجه صعوبات بالاعتناء بهذه الأشجار القديمة بسبب الإجراءات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على إدخال المواد الخاصة برعاية الأشجار، بل إنها منعت في بعض الأحيان  مسؤولي الزراعة في الأوقاف من  معالجة الأشجار المريضة وخاصة في الجهة الجنوبية الغربية من الأقصى القريب من باب المغاربة . كما ان السلطات الاسرائيلية تمنع زراعة أشجار جديدة في الاقصى ، ولا تتردد  الشرطة باقتلاع وتخريب أية شجرة يتم زراعتها .

وبالنسبة لمسؤول الزراعة في المسجد الاقصى "فتحي الواوي" " أبو أنس "  فإن الحديث عن الأشجار في الاقصى هو حديث ذو شجون وعاطفي فهو يعرف كل شجرة في الأقصى /الحرم الشريف ، تاريخها وعمرها  ويقول :

 " انا اتعامل مع الأشجار في الأقصى كأنها جزء من عائلتي ، وبعض أشجار الزيتون قمت بزراعتها بأيدي قبل أربعين عاما  قبالة المحكمة الشرعية ( التي استولى عليها حرس الحدود الاسرائيلي وحولها لمقر لقواته ) على مدخل باب السلسلة اليوم ، والتي أصبحت كبيرة ويستظل بظلها العشرات من المصلين ، أشعر بحزن شديد عندما ارى شجرة قد ظهرت عليها علامات الهرم  ، وأغصانها بدأت بالجفاف ولكن هذه هي الحياة، ورغم ذلك يجب الاعتناء بكل غصن وكل فرع وكل شجرة في الأقصى .

 ويضيف :  إن أهم ما يجب القيام به فورا هو تقليم الأشجار وانتزاع الفروع اليابسة فيها حتى يخف وزنها  وتنمو أغصان جديدة  من أجل الاستمرار بالحياة ، ولكن هذا العمل ليس سهلا في المسجد الاقصى فهو بحاجة الى تنسيق وترتيب خاص  ما بين إدارة الأوقاف والشرطة الاسرائيلية التي تعيق عملنا في قسم الزراعة بكل الوسائل بل انها ترفض حتى السماح لنا بزراعة أي شجرة جديدة  .

 ويختم  أبو أنس حديثه العاطفي عن اشجار الاقصى يقوله ان اي شجرة تسقط وتموت هي خسارة كبيرة  للاقصى ولنا وللقدس ، لأنه لا يتم زرع شجرة اخرى مقابل التي سقطت وماتت .

 ووفق ما نشرته الأوقاف الإسلامية من ارقام عبر السنين الماضية فإنه منذ عام 2008  حتى  2022  سقطت أو ماتت أكثر من ثلاثة عشر شجرة ،  بدأت بسقوط أقدم شجرة في الأقصى عمرها أكثر من مئة وخمسين عاما  كانت تقف أمام مكتبة الأقصى وهي من نوعِ البُطم الأطلسي "الذكر" Pistacia atlantica وبلغ محيطُ جذعِها على ارتفاع 1.5 متر: 361 سنتيمتراً، وهي من نفس نوع الشجرة التي سقطت في أول ليلة اعتكاف في شهر رمضان الحالي .

 وتعد أشجارُ الميس Celtis australis  والبالغ عددُها خمسَ أشجارٍ هي الأقدمُ من بينِ أشجارِ المسجدِ الأقصى المبارك  الموجودة في  المنطقة الشرقية والجنوبية قرب باب الأسباط .

واكد مصادر مختلفة مطلعة وخبيرة أن الحفريات التي تقوم بها إسرائيل  اسفل المسجد الاقصى لم يكن لها تأثير مباشر على  جذور الأشجار التي سقطت في السنوات الأخيرة  خاصة وأن الحفريات هي على عمق يزيد عن عشرة أمتار وجذور الأشجار لا تصل  إلى هذا العمق.

 ويذكر ان هناك  اكثر من الف شجرة في المسجد الأقصى غالبيتها من أشجار الزيتون  يتم توزيع إنتاجها من الزيت على فقراء المدينة كل عام ،  وفي الماضي كان يتم اضاءة المصابيح بهذا الزيت كما ذكر ذلك الرحالة التركي المشهور "أوليا جلبي" في كتابه :"  هناك أكثر من اربعة آلاف قنديل في المسجد الأقصى توقد بالزيت أشجار الزيتون الموجودة هناك" .