- 26 شباط 2025
- مقابلة خاصة
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
الأستاذ خليل العسلي الكاتب الرائع عريق بقلمه وفكره المتألق ينقلنا في عباب البحر الثقافي تارة مقالة وتارة حكاية من عالم إلى عالم ومن سردية إلى سردية يجول في الأمصار ويرسوا مرساته بباب العامود يحط رحاله ليقص علينا أسفاره وما خطه في سفره أطل علينا اليوم بكتابه "فنجان قهوة وحكاية مدينة" استعرض تاريخ المقاهي منذ القرن السادس عشر، من استنبول، حيث صاحبنا لتاريخ المقاهي والقهوة التاريخ الاجتماعي والثقافي والشهادات الشفوية والمقاهي المقدسية ودورها الثقافي ينقلنا بين الأماكن وبين الأزمان ينُبئ المقدسيين النظر الى المقاهي "فنجان قهوة وحكاية مدينة" كتاب أبدع بصورة فنية رائعة أخال نفسي أنني أجلس بجنابه على منضدة نحتسي فنجان القهوة وهو يحدثني عن كتابه والمصادر التي جمعها الحديث ذو شجون ومن على سطح مقهى صغير مؤطر بالزجاج، نرتشف قهوة الصباح يملأ فنجان آخر من الركوة النحاسية "أحيانا "يسرقنا الوقت من أناس يحتلون مساحات عظيمة من النقاء والود والحب في قلوبنا .لكن هذا لا يعني أنهم أصبحوا خارج نطاق إحساسنا بل هم الإحساس بنفسه.
مما جيش في خاطري أن أدلو دلوي في هذا المضمار أمام تلك القامة المقدسية أستميحك عذرا فإن باعي قصير وبحرك عميق والغوص فيه يحتاج مهارة فالعذرُ في مقامِ الحبيبِ مغفرة..
القهوة الصوفية
تروي حكاية التاريخ والموروث الشعبي أنّ أوّل من أدخل القهوة إلى تونس كان سيدي بلحسن الشاذلي المولود في سنة 1196م وتوفي سنة 1258م. ويقال إن هذا الرجل هو من أسّس للاحتساء الجماعي للقهوة وتمّ تقليده من بعد ذلك في مختلف الدول الأخرى و كانت القهوة تسمّى في تونس "الشاذلية" نسبة لسيدي بلحسن الشاذلي ويقال أيضا أنّ أول مقهى جماعي في العالم هو الذي فتحه أبو الحسن الشاذلي في تونس سنة 1240 كان المتصوفون والشعراء وغيرهم يحتسون فيه القهوة لتبعد عنهم النوم ليتمكنوا من القيام ليلا للذكر وقراءة الأوراد والأشعار وغير ذلك. إذ يعتقد أن هذا المشروب كان يعينه على السهر وينشّطه للصلاة وترتيل القرآن وتلاوة الأوراد الخاصة بطريقته. وهناك نصٌّ يؤكّد أن أبا الحسن الشاذلي دلّ مريده ووريثه، عمر بن علي، عند سكرات الموت، على المكان المحدّد حيث وجد القهوة وحثّه على لزوم شربها أو لوكها: "عند موته أعطى أبو الحسن لمريده كويرة من الخشب وأمره أن يسافر ولا يتوقّف إلّا في الموضع الذي لا تتحرّك فيه الكويرة. سافر المريد حتى بلغ مدينة مواخ، الميناء اليمني، وبرح بها"
وقد دُفن هذا الولي في نفس المدينة، ومن بين أقواله الشهيرة: "القهوة لِما شُرِبَتْ له"، وهذا يحاكي حديث الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم "ماء زمزم لما شُرب له"، فارتبطت بعض الشعائر عند صوفية اليمن بمشروب القهوة.
من بينها مثلاً تلاوة الاسم الإلهي "يا قوي" مائة وست عشرة مرة، وذلك لأن لفظة قوي في علم الأرقام الذي له أهمية كبرى عند الصوفية، لها نفس القيمة الرقمية لكلمة قهوة، وبالتالي تُشكّل نفس القوة التي تَنتج عن شرب القهوة، ولها نفس الميزة؛ حيث إنَّ مِن بين معاني كلمة قوي أن تكون المعدة فارغة وهو معنى أساسي للقهوة. كما كانوا يرتّلون سورة "يس" عند شربها، أو يصلّون على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
أجمعت الآراء على مر العصور على أن مخترع ومكتشف القهوة هو الشيخ علي بن عمر الشاذلي، منذ الكتابات الأولى التي أرخت للقهوة حتى الآن، فقال الجزيري نقلاً عن فخر الدين أبو بكر بن أبي يزيد المكي من كتابه (إثارة النخوة بحل القهوة)
"والذي بلغنا عن جمع يبلغ حدّ التواتر أن أول من أنشأها وأظهرها وبأرض اليمن أشاعها وأشهرها الشيخ العارف بالله تعالى علي بن عمر الشاذلي، أحد تلامذة سيدنا الشيخ العارف بالله تعالى ناصر الدين بن ميلق أحد السادة المشايخ الشاذلية".
ثم ذكر الشيخ عبد القادر بن شيخ العيدروس في (صفوة الصفوة في بيان حكم القهوة)
ما يلي: "وهو –أي الشيخ علي بن عمر الشاذلي– أول من أظهر القهوة فنسبت اليه، واشتهرت به اشتهاراً عظيماً... وحكي عنه أنه: أعاد هذه القهوة تبلغ من المشرق إلى المغرب عاد وعادهم من كلمات اللهجة اليمنية بمعنى سيصبح وسيكون فكان كذلك، وشاعت في أكثر البلدان حتى وصلت إلى الأقطار البعيدة والأمصار النائية، وكان الناس قبل اتخاذه لها إنما يستعملون لب القشر وهو البن ويرمون القشر على المزابل ولا يحتفلون به، فقال الشيخ: عادهم يحملون القشر إلى أطراف البلاد وتسير به القوافل على أكتاف الرجال ويعز بين الناس وتغلى قيمته وتزيد بزته حتى يباع بالذهب والورق، فكان كذلك".
في حين ذكرت (دائرة المعارف الإسلامية) عن الرحالة العثماني التركي أوليا چلبي – ويسمى ايضاً حاجي خليفة - (1017 – 1067هـ / 1609 – 1657م) أنه ساق رواية أخرى فقالت: "الأسطورة التي قدمها لنا حاجي خليفة تعطينا شخصيتين هما علي بن عمر، وهذا علي هو من أتباع مؤسس الطريقة الشاذلية الشيخ أبو الحسن علي بن عبدالله المتوفى سنة 656 هـ / 1258م ومريدوه هذا أيضا –علي بن عمر– هو وليُّ المخا، والأخير هو الذي أمره أن يستوطن بها، فامتثل أمر شيخه الذي ظهر له بعد وفاته وتشييع جثمانه واستقر بالمكان بعد أن أمره شيخه بالقدوم إلى المخا، فقام بذلك خير قيام وتحمل عبء تأسيس المدينة وشاركته في ذلك زوجته ابنة ملك –ملك الحبشة- التي تعبت ومرضت وكادت تموت، فرحل إلى داخل البلاد بحثاً عن دواء لها، واستقر بجبال أصاب (وصاب شرق زبيد) فغادر هو وأتباعه الذين تبعوه في غربته أيضاً، وقيل إنه جرب واختبر معهم شرب القهوة المصنوعة من حبات البن الذي في الاخير صنعه بالغلي بالنار واستخلاص القهوة منه، وشفيت زوجته، ثم كان أغلب زواره قد تم شفاؤهم من الجرب / الحكة ذاك الوباء المنتشر في المخا وذلك من خلال شرب القهوة، وعلى هذا حصل الشيخ علي بن عمر الشاذلي على لقب حامي المخا ووليها ورجلها النبيل الأول".
برجوع الكاتب إلى المصدر العثماني كاتب چلبي في كتابه وصف العالم (جهاننما) المطبوع بدار الطباعة العامرة- قسطنطينية سنة 1145هـ - 1732م، صـ 535 نسخة مطبوعة طباعة حجر موجودة بمكتبة اتاتورك – اسطنبول لدى الكاتب صورة منها، نجد الرواية منقولة عن الكتابات العربية ولكن بشكل موسع دون النظر إلى تاريخية وفاة الشيخ أبو الحسن الشاذلي الذي توفي في 656هـ / 1258م في حين كانت وفاة الشيخ علي بن عمر الشاذلي في 828هـ/ 1424م.
وذكر المرتضى الزبيدي في رسالته (تحفة إخوان الزمن في حكم قهوة اليمن):
"وأجمعوا على أن أول من نشر صيتها القطب الكامل سيدي أبو الحسن علي بن عمر القرشي الشافعي الشاذلي...، فأظهر منافعها، وبيّن خواصها، وحثّ تلامذته على شربها في مجلس الأذكار والعبادات، فوجدوا فيها منافع غريبة، وخواص عجيبة، فصنفوا فيها الكتب.
فكيف اكتشف الشيخ علي بن عمر الشاذلي القهوة؟
ولكن كيفية اكتشافه لها ظل هو السؤال، فالرحالة علي صدر الدين المعروف بابن معصوم تـ(1120هـ) في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي قدم الرواية التالية عن رحلته إلى المخا في رحلته المعروفة بـ(رحلة ابن معصوم المدني أو سلوة الغريب وأسوة الأريب) فقال: "والإجماع على أنه الذي أظهر القهوة المتعارفة في هذا الزمان، التي طبّقت شهرتها العالم... قيل: وسبب اهتدائه إليها أنه كانت له لقحة –الناقة الحلوب الغزيرة اللبن– يسرّحها كل يوم للراعي، وكانت ترعى ثمرة هذه الشجرة، فاستطاب لبنها طعماً وخاصية، فتبعها يوماً فرآها ترعى هذه الثمرة فجنى منها شيئاً وقلاه واستعمله، فأحدث في نفسه نشاطاً وأريحية، فواظب على استعماله، ثم طبخه فرآه أجدى من استعماله مقلياً، فلم يزل الأمر يزيد حتى بلغ هذه الشهرة".
والرواية العربية التي أوردها مؤرخ اليمن في نفس الفترة – القرن 11هـ - يحيى بن الحسين بن القاسم والذي أورد ما يلي: "قال الشيخ عز الدين القرشي المقبور ببندر المخا المنسوب إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي قال: خدمت أبا الحسن الشاذلي ثلاثين سنة، فلم أره نائماً ليلة من الليالي كان نهارها صائماً وليلها قائماً، وكان كثير المرض، شديد الخوف، فإذا رأيته تقول هذه الساعة طلع من القبور، قال علي بن عمر الشاذلي: جئت مع الشيخ في خدمته إلى جزيرة من جزائر الحبشة، فقال لي: يا علي نقيم بهذه الجزيرة، ونبني بها بيتاً وأنا وإياك سواء، فكثر علينا المطر فبنى بيتاً، فكانت تأتي إلينا بعض رجال الحبشة. ويقولون: يا شيخ إن عندنا شجرة، حملها كبعر الغنم، إذا طبخناها وشربناها؛ تعيننا على قيام الليل، فهل لك يا شيخ منها بشيء؟
قال: نعم. فجاؤوا إليه بشيء منها، فطبخ الشيخ وشرب منها، فرآها عظيماً فقال لي: يا علي هذه اسمها القهوة، لأن تسميتها مجرد ومجوفة، ومن عادة المجوف فيه سر عظيم، ثم بعد ذلك رجع الشيخ إلى المغرب لبلده، وأخذ عنه القهوة الشيخ علي بن عمر القرشي المدفون ببندر المخا وهذه الجزيرة تسمى جزيرة سواكن الشاذلي".
أوردت الكتابات الصوفية الحضرمية رواية ترتبط بنمط التصوف الحضرمي، ومنها كتاب (تذكير الناس بما وجد من المسائل الفقهية وما تعلق بها في مجموع كلام سيدنا الحبيب... أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس)، للعلامة أبي بكر العطاس بن عبد الله بن علوي بن زين الحبشي. وكتاب (تاج الأعراس على مناقب الحبيب القطب صالح بن عبد الله العطاس) للعلامة علي بن حسين بن محمد بن جسين بن جعفر العطاس، وكلاهما طبعة اندونيسيا فتقول روايتهما: "إن الشيخ علي بن عمر الشاذلي صاحب المخا تولى القطابة (القطبية) وكثرت في وقته أذية الجن للإنس، فشكا ذلك إلى الخضر عليه السلام وقال لِمَ لم تحصل هذه الأذية إلا في نوبتي؟ فقال له الخضر: نأتيك بعودين من شجر البن من أرض الحبش تغرسهما تحت الميزاب الذي تتوضأ فيه، فأتى بهما الخضر وغرسهما الشيخ، فلما أثمر أخذوا عودي ثمرهما، وطبخوه في القدور، وشربوه، فرفع الله عنهم أذية الجن، وبعد ذلك أخذوا عودي الشجرة المذكورة وغرسوهما بالجبل المشهور بالعدين ونسبوا إليه البن، وحذفت العامة الواو وأصل العدين العودين.".
وذكر الرحالة المغربي أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي في (الرحلة العياشية): "أن أول من أحدثها -القهوة- وأخرجها من أرض اليمن الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته سيدي علي بن عمر الشاذلي اليمني، وأمر أصحابه بشربها ليستعينوا بذلك على السهر في العبادة، ثم لم يزل أمرها يفشو شيئاً فشيئاً، ومن بلد إلى بلد، إلى أن آل ما آل بحيث عممت البلاد المشرقية وكثيراً من المغربية".
قيل إن مكتشف القهوة في اوائل القرن العاشر الهجري هو أبو بكر ابن عبد الله الشيخ الصالح العارف بالله تعالى الشاذلي المعروف العيدروس مبتكر القهوة العربية من البن من اليمن (ونسبت اليه الشاذلية)
الشاذلي المذكور
هو القطب العلامة أبو بكر بن عبداللهّ العيدروس صوفي المذهب كانت تقام حلقاته التعليمية في مسجد العيدروس الشهير في مدينة عدن باليمن السعيد ولكن كانت تلك الفترة فترة ذهبية لعلماء الصوفية في عدن فطلبة العلم يفدون عليها من أصقاع اليمن وحضرموت وبعض البلاد العربية للقراءة على علمائها وفقهائها والمشاركة في حلقات الدرس التي كانت تعقد في المساجد والجوامع كجامع عدن ومسجد السوق وأبان وغيرها أما مسمى الشاذلي فيعود الى الشيخ علي بن عمر الشاذلي. وهو من ينسب إليه مسجد حسين الذي كان يسمى رباط الشاذلية.
ولقد كان لأبي بكر بن عبد الله العيدروس حظوة لدى الحكم الطاهري عندما مر ابن عبد الوهاب ومرجان الظافري في عدن وله مواقفه في مواجهة الغزاة البرتغاليين
لاحقاً صارت القهوة تُشرب في العالم الإسلامي، في مجالس الذِّكر أو خلال المولد النبوي. في القاهرة بالجامع الأزهر، وخصوصاً في الجناح اليمني، كانت الشعائر مقرونة بتناول القهوة التي كانت تدور في وعاء بين المريدين، وكان رئيس الجلسة يأخذها من جرّة من طين.
فُتحت بعدها ما سُمّيت بدور القهوة في باحة الحرم الشريف بمكّة، وحول الجامع الأزهر في القاهرة، حيث كانت القهوة تُقدَّم لرجال ونساء من الأدباء والأديبات وأهل الصوفية، ورافق طقس احتسائها السماعُ الصوفي أو إلقاءُ الشعر أو لعبُ الشطرنج، وهذا ما دشّن الدور الترفيهي للقهوة أو بيوت القهوة في تسمية ذلك الزمان.
لعلّ كتاب “طبقات الصوفية” لأحمد الشرباصي وعبد الرحمن محمد بن الحسين، والذي نُشر للمرة الأولى عام 1960، كان أول من تتبع تاريخ علاقة العرب بالقهوة، وقد تضمن طرقاً تاريخية أولية عن القهوة في العالم.
القصة الحقيقية لاكتشاف القهوة في كتابه “سفر القهوة” الذي صدر للمرة الأولى في أبريل/نيسان 2022، كتب الرحالة الكويتي عبد الكريم الشطي (كما يُحب أن يعرّف عن نفسه) أن أول استخدامٍ تاريخي للفظ “القهوة” بدأ في العام 1400.
وقد كانت الكلمة تُطلق على المشروبات الساخنة بشكلٍ عام. قبل ذلك التاريخ، لم تكن الناس تتناول المشروبات الساخنة إلا للعلاج ومع الدواء. فقارَّات كاملة، مثل أوروبا وإفريقيا، لم تكن تعرف شيئاً عن المشروبات الساخنة آنذاك.
صوفية القهوة
استخدمت الجماعات الصوفية في اليمن القهوة مُنبِّهاً يساعد المريدين على السهر في حلقات الذكر التي كانت تستمر طوال الليل تقريباً، حتى أصبحت جزءاً من طقوس التعبد الصوفي.
رأى المتصوفة في القهوة بديلاً حلالاً للخمر، وأصبغوا عليها كل الدلالات التي سبق أن مُنِحَت للخمر، فتغنّوا بها شعراً ونثراً، وارتقوا بها إلى مقام الرمز.
أقدم مرجعٍ تاريخي عن القهوة يشير إلى الإمام الذبحاني (العلامة المفتي اليمني الصوفي جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد) باعتباره أول من اكتشف القهوة التي نعرفها اليوم.
والحقيقة أن لفقهاء القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الفضل الأكبر في البحث عن تاريخ القهوة. فقد أسهب الكثيرون منهم ضمن مجموعة فتاوى، أو رسائل، في مدح هذا المشروب، جُمعت كلها في كتاب “عمدة الصفوة في حل القهوة” للشيخ العراقي عبد القادر بن محمد الجزيري.
ويقول الشاعر الجاهلي الأعشى الذي عاش قبل أكثر من 1400سنة:
نازعتُهم قُضُبَ الريحان متكئا وقهوةً مُزَّةً راووقها خَضِلُ.
أطلق العرب قديما مسمى القهوة على الخمر حتى اكتشفوا شراب البن في اليمن، فاستعاروا له هذا الاسم فذاع وانتشر في أرجاء العالم.
ففي لسان العرب يقول ابن منظور: "القهوة الخمر وسُمّيت كذلك لأنها تُقهي شاربَها عن الطعام أي تَذهب بشهوته"، وهي من الأضداد تعني الشيء وعكسه.
أول من جاء بها إلى اليمن؛ موطنها الأول في الجزيرة العربية، هو رجل دين من أهل عدن اسمه جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحان الذي عاش في منتصف القرن التاسع الهجري (منتصف القرن الخامس عشر الميلادي) من الحبشة حيث كان يسافر لها، وقدّمها لأهل بيته وأصدقائه وضيوفه لتعديل المزاج وللتعافي من الوهن والإجهاد، ثم بدأ المزارعون في اليمن في زراعة البن بعد انتشار شربها في الطبقة العليا وبعد ذلك قلّدهم العامة وانتشر شربها بين اليمنيين وأصبحت عادة اجتماعية يومية، بعد ذلك انتقلت إلى مكة، فعمّت الحجاز، ذلك بعد أن انتشرت في مصر بواسطة طلاب يمنيين أخذوها معهم في رواقهم في جامع الأزهر للاستعانة بها على السهر من أجل المذاكرة والدرس، ثم انتقلت إلى نجد (المنطقة الوسطى بالجزيرة العربية)، وفي القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى تركيا ومن هناك أخذت طريقها إلى مدينة البندقية في عام 1645م. ثم نقلت القهوة إلى إنجلترا في عام 1650م عن طريق تركي يدعى باسقا روسي الذي فتح أول محل قهوة في شارع لمبارد في مدينة لندن عام 1652م، فأصبحت القهوة العربية قهوة تركية، وقهوة إيطالية، وقهوة بريطانية بعد أن تدخلت أمزجة هذه الشعوب ورغباتهم في تجهيز القهوة.
وكان الطبيب الرّازي الذّي عاش في القرن العاشر للهجرة أوّل مَن ذكر البن والبشام في كتابه "الحاوي". وكان المقصود بهاتين الكلمتين ثمرة البن والمشروب. وفي كتاب "القانون في الطّب" لابن سينا الذّي عاش في القرن الحادي عشر، يذكر البن والبشام في لائحة أدويةٍ تضم 760 دواء..أُطلِق على القهوة (حليب المُفكرين), حيث بدأ الأدباء والمُثقفون والمُفكرون يشربون القهوة ليلًا ونهارًا, حتى أصبحت لها أوقاتًا خاصة تُشرَب بها, وأصبح الناس يُعبرون عن مزاجيتهم من خلال القهوة.
وقد حرمها الشيخ الحنفي، والسيد البليدي، والشيخ الدمياطي، والشيخ عمر الطحلاوي، وغيرهم من شيوخ الدين. وتسبب ذلك في إغلاق المقاهي في مكة في العام 1511، وتم تحطيمها أيضا في القاهرة في العام 1534، ثم انتهى المطاف بفتوى جوازها من علماء الأزهر. وفي كتابه “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي“، يروي محمد الأرناؤوط كيف شارك بعض الفقهاء الترفع الذي تمتع به الشاعر الحمصي، ورأوا أن “ما أكب أهل الفجور على تعاطيه ينبغي أن يجتنبه من يخشى الله ويتقيه”، كما قال الشيخ محمد بن محمد المولى أبو السعود، لكن “السلطات” في مكة لم تكتفِ بمجرد الترفع عن مشاركة “السفهاء” مشروبهم.
ووفقاً لبحثٍ نُشر في أرشيف صحيفة The New York Times الأمريكية، قيل إن البابا أعلن: “هذا المشروب الشيطاني لذيذ للغاية، وعلينا أن نخدع الشيطان بتعميده، ونجعله مشروباً مسيحياً بحق” لكن الأمر لم يكن مباراة في الفتوى فحسب؛ فالمقاهي، بخلقها جواً سياسياً متحرراً من سطوة السلطة، مثلت خطراً محيقاً على الحكومات. وخوفاً من ثورة محتملة، أمر تشارلز الثاني بحظر القهوة وإغلاق المقاهي تباعاً عام 1672 ثم 1675، لم يُنفذا بسبب المعارضة الشعبية. فقد سقط الإنجليز في حب القهوة.