- 22 تموز 2025
- مقابلة خاصة
بقلم : كريستين حنا نصر
ارتبط الهاشميون بتاريخ حضاري عريق في المشرق العربي ، حيث استطاع المغفور له الشريف الحسين بن علي بعد توليه إمارة مكة من ضبط الأمور فيها، وتوثيق صلته بالعشائر العربية في الحجاز، والتي شكلت مع الأحرار العرب من كافة بلاد الشام والمشرق العربي ، نواة جيش الثورة العربية الكبرى عام 1916م، والتي أطلق الشريف الحسين رصاصتها الاولى في صبيحة يوم 10 حزيران عام 1916م ضد الظلم العثماني في البلاد العربية ، وكانت تحت قيادة أبناء الشريف الحسين وهم الأمراء آنذاك( علي وفيصل وعبد الله وزيد ) .
ورفع الشريف الحسين شعاراً للثورة العربية ( الحياة الفضلى والوحدة والحرية والاستقلال ) ولولا هذه الثورة والنهضة العربية الكبرى لبقيت البلاد العربية تحت سيطرة العثمانيين والمتمثلة بظلم جمعية الاتحاد والترقي، حيث كان التهميش والإقصاء واضح للعرب في ظل الإدارة العثمانية.
ولاحقاً استطاع الشريف الحسين بن علي تحرير المنطقة وتأسيس المملكة الحجازية الهاشمية ولقب ملك العرب، ونتيجة لتمسك الشريف الحسين بمنطلقاته وهي وحدة وتحرير البلاد العربية واستقلالها الى جانب رفضه لكل مشاريع التقسيم فقد نُفي إلى قبرص.
وعلى نهجه القومي وامتداداً لمواقفه الهاشمية الثابتة كانت مسيرة المغفور له الملك عبد الله الأول بن الحسين والذي ولد في مكة المكرمة عام 1882م وكان شخصية مثقفة وعلى درجة عالية من الحنكة السياسية وبناءاً على مرسوم والده الشريف الحسين في أكتوبر عام 1916م تقرر فيه تعيين الامير عبد الله في حكومة مملكة الحجاز بمنصب وزير الخارجية بينما تولى أخيه الأمير فيصل وزارة الداخلية ومع نهاية مملكة فيصل في سوريا بعد معركة ميسلون الخالدة بتاريخ 24 تموز 1920م أُرسل الأمير عبد الله الى شرق الاردن للاستمرار في رسالة الثورة العربية الكبرى ونهضة العرب، فدخل معان بتاريخ 21 تشرين الثاني 1920م ، بطلب من رجالات الحركة الوطنية وأحرار شرق الأردن وبلاد الشام وصل إلى عمّان بتاريخ 2 آذار 1921م.
وبدأ حراكاً دبلوماسياً نشطاً وبدعم وتأييد من الشعب الأردني فكان تأسيس امارة شرق الاردن بتاريخ 21 آذار 1921م لتكون ثمرة من ثمرات الثورة العربية الكبرى ونجح جلالته على الصعيد الوطني الداخلي من تشكيل الجيش العربي، وقد كانت نواته من جيش الثورة العربية الكبرى، كما قام بتشكيل المؤسسات الدستورية.
وهنا بشكل خاص أذكر أهمية وضع القانون الأساسي للبلاد سنة 1928م والذي قامت أسسه على مبادئ الإخاء والمساواة، مع مراعاة شموله بما يعرف اليوم باسم نظام الكوتا البرلمانية، وذلك من أجل حفظ واحترام حقوق كل المكونات الوطنية الأردنية، والذي تشكل على أساسه أول برلمان سنة 1929م، وبنفس المسار حرص جلالته على بناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والتعليمية والثقافية وغيرها، ومروراً بعد ذلك بانجازات كثيرة يصعب حصرها في هذا المقال، وقد تكللت بإنجاز تاريخي نفاخر به وهو إستقلال المملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 25 أيار 1946 م.
وفيما يخص الدور القومي الأردني في عهد جلالته فإنني أشير الى سعيه الدؤوب من أجل وحدة العرب، فأطلق جلالته عدة مشاريع وحدوية مثل مشروع سوريا الكبرى والذي لم يكتب له النجاح بسبب التحديات الكثيرة.
وللتاريخ أشير الى الدور والتضحيات الاردنية الكبيرة في عهد جلالته تجاه فلسطين، بما في ذلك حرب عام 1948م، وأهمية محافظة جلالة الملك عبد الله الاول على الضفة الغربية ومدينة القدس من الاحتلال في عام 1948م ولاحقاً نجاحه التاريخي في تحقيق وحدة الضفتين عام 1950م وهذا طبعاً تجسيد لدور ونهج الهاشميين في الدفاع عن فلسطين وشعبها وأمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وقد استشهد المغفور له الملك المؤسس عبد الله الاول بتاريخ 20 تموز 1951م على عتبات المسجد الأقصى وهو مدافع عن القدس وفلسطين.
وهنا أرغب بالاشارة الى الفكر القومي العروبي للمغفور له الملك عبد الله الأول فهو السياسي والمثقف الموسوعي، حيث كان مجلسه وديوانه الملكي العامر ملتقى للشعراء والأدباء، و لجلالته العديد من المؤلفات منها :
"جواب السائل عن الخيل الأصائل"، وقد طبع في مطابع جريدة الأردن عام 1936م، و"الأمالي السياسية" وهو الآخر طبع في مطابع جريدة الأردن عام 1939م .
ومن مؤلفاته الاخرى أيضاً : كتاب "مذكراتي"، و"من أنا"، و"بين الدر المنثور والمنظوم" وقد جُمعت هذه المؤلفات في كتاب بعنوان "الآثار الكاملة" .
وعرف عن جلالته استقطاب الأحرار العرب الذين ساهموا في مسيرة وتاريخ الأردن ، وهنا اشير الى اسم خليل فارس نصر(1888-1948م) والملقب بشيخ الصحافة الأردنية، وهذا اللقب المهم مرده أنه هو مؤسس أول مطبعة في الأردن ( مطبعة خليل نصر) عام 1922م، كذلك مؤسس أول جريدة أردنية وهي (جريدة الأردن) عام 1923م، والتي كانت تعرف سابقاً باسم صحيفة (جراب الكردي) والتي أسسها سابقاً في حيفا عام 1908م، وبعد أن نقلها إلى العاصمة عمّان بطلب من الملك عبد الله الأول ، بدأت جريدة الأردن برسالتها الثقافية التوعوية بكل اخلاص وانتماء ، من خلال عمل مطبعتها أو من خلال ما ينشر فيها من معارف ومقالات وأخبار متنوعة وثقت تاريخ الأردن ومسيرة ملوكه الهاشميين منذ عام 1923 وحتى عام 1982م حيث استكمل والدي الدكتور حنا خليل نصر رسالة والده كصاحب الامتياز ورئيس التحرير للجريدة ، ونظراً لدورها البارز في التاريخ والأرشفة والتوثيق للاردن، وجهودها في رسالة الثورة العربية والهاشميين، فقد أنعم جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله على خليل نصر بوسام مئوية الدولة الأردنية عام 2021م .
وقد كان جده المغفور له الملك عبد الله الأول قد أنعم على المرحوم خليل نصر بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى، ومنحه لقب (بيك) تكريماً وتقديراً له على أعماله ودوره الثقافي الوطني.
واليوم فإننا في الاردن ولله الشكر نعيش نهضة هاشمية شاملة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، استمراراً لرسالة الثورة العربية الكبرى، و نهج الآباء والأجداد من ملوك بني هاشم، وسيبقى الاردن في قلوب المخلصين رمزاً للعطاء والوفاء .