- 26 تموز 2025
- مقابلة خاصة
كتب: خليل احمد العسلي
لقد قابلته في مكتبه وسط البلد في عمان ، ذلك المكتب الذي يعج بمئات الكتب القديمة والمراجع القيمة التي تحتاج إلى يد حنونه تعيد لها البريق والتصنيف، فهي كتب قيمة ومراجع غاية في الاهمية للباحثين والمؤرخين وعشاق تاريخ الاردن وفلسطين والعالم العربي .
كانت علامات التعب والإرهاق بادية على وجهه النحيل الباسم المتفائل دائما رغم انه بلغ من العمر عتيه ، ولكن رغم ذلك لا زال يسابق الزمن من اجل انجاز المهمة التي أخذت من عمره عشرات السنين باحثا مستكشفا مستنبطا علم ظني إلى علم له مقومات ومرتكزات علمية يمكن الاعتماد عليها في المستقبل.
إننا نتحدث عن الدكتور الشيخ النساب فتحي سلطان والذي صدرت له مؤخرا الموسوعة الاضخم والوحيدة في العالم المتخصصة في أل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي تحمل عنوان" موسوعة مشجرات انساب أشراف العرب"
قال وقد اتكأ على عصاه التي باتت رفيقة دربه وهو يتقلب بين يديه عشرات الأوراق في اشارة الى انشغال الذي لا يتوقف : " رغم انني سعيد بإصدار هذه الموسوعة التي تكاد ان تكون شاملة لكل الأنساب ، إلا أنه ما زال أمامي الكثير من العمل يجب إنجازه واكثر ما اخشاه ان لا يسعفني ما تبقى من العمر لإنهاء هذه المهمة التي نذرت عمري وحياتي انفاسي لها وانقطعت كليا عن اي عمل اخر كنت أقوم به، لإيماني العميق انها تكليف من رب العالمين .
قلت له : يا شيخنا لا تقل ذلك سوف تنهى كل ما بدأته.
فقاطعني قائلا : يا صديقي انا تجاوزت العقد الثامن بسنوات واشعر انني أنهكت جسمي وصحتي لم يعد في العمر بقية ولهذا تجدني اعمل ليل نهار من اجل أبحاثي ، رغم ضعف بصري وهزول جسدي الا انني سوف ابقى اعمل بتوفيق من رب العالمين .
بيني وبين نفسي حسدته على اصراره وتفاؤله وانضباطه بالعمل فهذه صفات لم تعد موجودة عندي جيل الشباب ولا حتى الأجيال التي سبقتها والتي تستهل الكسل وتصعب العمل .
وأكمل حديثه بعد أن سرح لدقائق وكأنه يبحث عن فكرة تلاشت في فضاء الغرفة: ان اشهار هذا العمل الموسوعي الشامل يعتبر انتهاء مرحلة مهمة، حيث أنه يمكن اعتبار هذه الموسوعة مرجعا لكل الباحثين في علم الأنساب، ولكل مؤرخ وعالم اجتماع، ولولا ضعف الإمكانيات المالية وعدم التمكن من الحصول على التمويل اللازم ، لكنت قد طبعت هذه الموسوعة بأعداد كبيرة وقمت بتوزيعها على كل العائلات وكل الجامعات ومراكز الأبحاث لتعم الاستفادة ويزيد الثواب في العالم العربي .
ومعروف أن الدكتور فتحي سلطان أصبح عنوانا لكل النسابين في العالم العربي وكل من يبحث عن اصول عشيرته وعائلته فهو المرجع الأكثر تعمقا في هذا العلم الذي وضع أسسه التي لم تكن موجودة ، ولهذا فلقد شارك في حفل إطلاق الموسوعة اضافة الى رئيس وزراء الاردن الاسبق عبد الرؤوف الروابدة العديد من شيوخ العرب من السعودية واليمن والعراق وعمان والاردن وفلسطين وسوريا .
صحيح أن هذه هي الموسوعة الاشمل والاوسع ولكنها ليست الاولى للدكتور فتحي سلطان فلقد كان قد أصدر موسوعتين لهما علاقة أيضا بالأنساب وآل البيت اضافة الى العديد من المؤلفات أثناء عمله الصحفي فهو يعتبر من مؤسسي ورواد الصحافة الأردنية والتي بدأ العمل فيها مع بدايتها الجدية في خمسينيات القرن الماضي وترأس تحرير العديد من المجلات والصحف وأسس العديد من المؤسسات الإعلامية، ولكنه ذات يوم صافي وبدون سابق انذار قرر قطع كل صلاته بالصحافة والانخراط التام في هذا العمل الذي وصفه بالمقدس وبأنه تكليف من رب العالمين
وبعد أن انتهى اللقاء السريع الذي كنت اتمنى ان لا ينتهى لغزارة المعلومات وأناقة الحديث ، قام الدكتور فتحي بإهدائي نسخة من الموسوعة الضخمة المكونة من اربعة اجزاء قائلا : هذه نسخة تلك مني وتضم مشجرة عائلتك الكريمة فانتم من آل البيت .
للحقيقة شعرت بالسعادة لهذه الهدية القيمة الضخمة التي تلقفتها من بين يديه واحتضنتها طيلة الطريق ، في نفس الوقت شعرت بالخجل لأن هذه الموسوعة كلفته الكثير من المال والجهد ، ولا يجب ان تهدى بل يجب ان تشترى ، ولكن كما هو معروف فإن الهدية لا ترد.
