- 10 آذار 2025
- ثقافيات
بقلم : د. اسامة المجالي
انهيت مؤخراً قراءة كتاب " الباشادور " للكاتب المغربي حسن اوريد ، ولمن لا يعرف الدكتور حسن اوريد فهو سياسي وكاتب مغربي من مواليد العام ١٩٦٢ وقد شغل عدّة مناصب رسمية ، حيث عُيّن عام ١٩٩٩ -٢٠٠٥ كأول ناطق رسمي بإسم القصر الملكي المغربي ثمّ شغل منصب مؤرخ المملكة المغربية . كما عمل بوزارة الخارجية المغربية وبعد ذلك مستشاراً لها في سفارتها بواشنطن .
كان استاذاً في كلية الحقوق بالرباط ثم المدرسة الوطنية للإدارة ، ثم عُيّن والياً على جهة مكناس ، هو الآن يرأس مركزاً للدراسات والأبحاث اسمه " مركز طارق بن زياد " ويعمل أيضاً استاذاً جامعياً للعلوم السياسية بالرباط ، ومؤخراً زار الاردن وقدّم محاضرة مهمة في عمّان بمؤسسة عبد الحميد شومان كان موضوعها " التوافق العربي المطلوب " آفاقه ومستقبله .
رواية " الباشادور " صدرت في العام ٢٠٢٤ عن " دار المركز الثقافي للكتاب " للنشر والتوزيع ب ٣٧٨ صفحة وعقد من أجلها حفل اشهار بعمان بمركز يونس أمرة التركي حيث قام الكاتب بتقديمها وتوقيعها ، وهذه الرواية ليست العمل الأول للكاتب بل سبقها عديد من الكتب والروايات بالعربية والفرنسية على السواء والتي يتقن الكتابة بهما معاً ومن كتبه " ربيع قرطبة " " زينة الدنيا " " سيرة حمار " و " "رواء مكة " وغيرها .
الكتاب جميل وموسوعي ويحكي باسلوب مدهش " رحلة أبي القاسم الزياني " في ربوع العالم الاسلامي مستنداً الى مخطوط يوثّق هذه الرحلة ويطل من هناك بشكل متوسع ومتقن على واقع هذا العالم في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ، وهي فترة صاخبة من تاريخ هذا العالم الاسلامي والدولة العثمانية بعد هزيمتها امام روسيا بتلك الفترة وما تبع ذلك من تداعيات مريرة أبرزها الهزة العميقة التي إجتاحت العالم الاسلامي لهذه الهزيمة المدوية وما تلاها من طرح أسئلة كبرى تفتش عن أسباب هذه الهزيمة في بنية الدولة العَليّة ومحاولة النخب والسياسيين الإجابة عنها ثمّ ظهور الحركة الوهابية والحروب التي صاحبت ذلك الظهور ثم الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام ، بعد مرور مئتي عام على تلك الأحداث نلاحظ أن لا شئ تغير في المنطقة فالماضي هو طريق المستقبل الذي نحياه الآن ؛ نفس الدم المسفوك ، نفس الأطماع الإستعمارية ، نفس الفساد والجهل والمحسوبيات والقهر والقمع سواءً بسواء ، عسف الحكام ومزاجيتهم فالكتاب يُطل فيما يطل على تاريخ المغرب الأقصى وتَأريخ حكامه وطرائقهم في الحكم وكيفية إدارتهم لبلادهم ومعاملاتهم مع رعيتهم على أختلاف أعراقها و مشاربها .
ولتلخيص ذلك ننقل ما يورده الكاتب على لسان بطله " أبي القاسم الزياني " عندما يصف الغاية من مذكرته ومخطوطه " أريد لهذا البوح أن يكون صدىً لنفسي ، أريده معبّراً عما إعتور حياتي ، أريده صورة للحقيقة ، أليست الحقيقة كما الغانية يستوي جمالها عارية أو متدثرة ؟
أتيح لي أن أعرف دار الإسلام ، درجت في رحاب دار " المخزن" ( الديوان الملكي المغربي ) بمغربنا الأقصى وتقلبت في البلاد من مغربنا العامر ، أقصاه وأوسطه وأدناه ، وعشت بالمحروسة ( القاهرة ) ردحاً من شبابي وأقمت بها شطراً من كهولتي وجاورت بالمدينة المنورة بعد أن أدّيت فريضة الحج وحللت بالدولة العليّة ( إستنبول وما حولها ) وشددت الرحال إلى بيت المقدس وبلاد الشام ، فبلاد الاسلام معهودة لدي وأشعر أن السدى الجامع للمسلمين بدأ ينحل وعروتهم تنفصم وأن مغربنا أضحى غرضاً للطامعين منذ حلّ الإفرنج بالمغرب الأوسط واحتلوا أرضه ، بيد ان شرورنا نحو أنفسنا أسوأ من الأطماع المتربصة بنا ، نُمكّنه من أمرنا بتناحرنا وجهلنا وجهالتنا ، نحجم عن رؤية الحقيقة ، ونتحايل عليها بإلقاء اللوم على الغير "
الكتابُ بستان ملئٌ بألطاف اللغة العربية ، حتى أن الكاتب حاول في معظم الكتاب أن ينحو منحنى أسلوب الأقدمين وأبي القاسم الزياني في تعبيراته وأسلوب كتابته في تزاوج متقن بين النص المخطوطي الأول ثمّ ما لحقه من إضافات روائية ودرامية في عموم النص .
كما أن الكتاب مليء بمختارات شعرية من المشرق والمغرب على حدٍ سواء مما يظهر أهمية الشعر لدى طبقة الحكّام في تلك الفترة وكذلك طبقة المسؤولين والمثقفين حيث تنوعت إهتماماتهم الأدبية والشعرية كثيرا خاصة الشعر الصوفي لرموزه كالحلاج وسواه مثل قوله
عجبت منك ومنّي يا منية المتمنّي
أدنيتني منك حتى ظننت أنّك مني
أو قوله :
يا كُلّ كُلّي فكن لي إن لم تكن لي فمن لي
يا كُلّ كُلّي وأهلي عند انقطاعي وذُلّي
ما لي سوى روحي فَخذها والرّوح جهدَ المقلّ
ولا بد في نهاية هذه العجالة لإستعراض هذا الكتاب القيّم أن اذكر أن الدكتور حسن اوريد له عدّة مواقف واضحة جداً وتفوح من ثنايا روايته ومنها ؛
الموقف من الوحدة الإسلامية الجامعة وتأييده لها بشكل مطلق ولا يعدّها ترفاً بأي شكل في ظل التحديات التي تحيق بالأمّة ، فهو يرى أن المسلمين كلهم ينبغي أن يكونوا أمّة واحدة ، سنييّهم وشيعتهم عربهم وعجمهم وأنه لا مجال بينهم للتناحر أو الثارات التاريخية او التخاصم والأحقاد .
كما أنه مع الإحترام الشديد للدولة العثمانية وتقديرها لما قامت به من حماية للعالم الإسلامي على مدى مئات السنين وأن الواقع يشير بأن المسلمين عند ضعفها وسقوطها قد أصابهم شرٌ كثير .
كما يبدو جليّاً موقفه ضد الحركة الوهابية وتفسيرها للإسلام وتطبيقاتها وإجراءاتها العنيفة التعسفية واحتكارها للفهم الإسلامي على تصورها وما ترتّب على ذلك في العالم الإسلامي .
وأخيراً فإنه يُسلّط الضوء بشكل فاحص على إستبداد الحكّام وظلمهم لشعوبهم ويظهر بشكل واضح مساوئ حكم الفرد ومصائبه على الدولة والأمَة سواء بسواء .