• 30 تموز 2022
  • نبض إيلياء

 

 

 

بقلم : خليل العسلي 

 

 

من لا يعرف ابو شادي صاحب الابتسامة الانسانية الصادقة ( في زمن ساد فيه الخبث والخيانة والبلطجة العلاقات البشرية في هذه البقعة من العالم)  وصاحب القلب الطيب العاشق لكل حجر من حجارة القدس ولكل زاوية وزقاق من أزقة القدس حتى رطوبة البيوت العتيقة فيها لها رائحة  العنبر عنده . فإنه بالتأكيد لا يعرف القدس ولا يعرف معنى المدينة المقدسة ، ولا يعرف أهل القدس الحقيقيين الصادقين المخلصين لكل نسمة  من هواء العليل .

 ابو شادي الإنسان بات أحد معالم  مدرسة الفرير في بيت حنينا،  وعلى قطعة السكاكر التي اعطها منذ عشرات السنين  ولا زال يعطيها حتى الان للأطفال والطلبة في المدرسة تربت أجيال كثيرة ، حملت حلاوة السكاكر في عقولها  لتنعكس حلاوة تحلى حياتهم الصعبة في المدينة  ، لدرجة أنه حتى يومنا هذا يحضر أحد الأطباء المعروفين في المدينة  حيث يقف أبو شادي الاسطوري مذكرا اياه بقطعة السكاكر التي كان يعطيه إياها مع ابتسامة لا يمكن أن ينساها قبل ثلاثين عاما ويطلب هذه السكاكر حتى في يومنا هذا . 

 ابو شادي بائع الكعك المقدسي العتيق الذي يحرص على إحضار كعك المقدسي اللذيذ من البلدة القديمة ومن أحد الأفران القديمة القليلة الباقية الصامدة التي لا تزال تعمل على الحطب مما يجعل كعك ابو شادي فريدا من نوعه من حيث الشكل واللون والطعم كما هي شخصية ابوشادي  الذي يقدم الكعك لكل طفل وتلاميذ واستاذ  وإنسان بكل محبة صادقة .

ابو شادي الذي يظهر حبا قلما تجده عند أي تاجر أو بائع او حتى انسان عادي يحاول يقديم الابتسامة المجانية الصادقة لكل الطلاب واهلهم ، لدرجة ان العديد من الاهالي  قالوا أنهم إذا حضروا للمدرسة ولم يجدوا ابو شادي في مكانه المعهود  فانهم يشعرون وكأن بقعة سوداء تخيم على المكان.

 ولهذا فإن أبا شادي الذي مر قبل فترة  بأزمة صحية أدخلته في حالة اكتئاب شديد هذه الحالة أصابت محبي ابو شادي الإنسان ( وهم كثر) ولكن رحمة الله كانت أكبر ودعاء كل من يعرف أبوشادي تمكن من العودة للحياة ليعيد هو نفسه الأمل للأهل والطلاب .

 ابو شادي الإنسان هو ايضا فنان مسرحي، بل وفنان من طراز آخر، من النوع الذي يعشق الفن، يعمل من أجله ارتجالا ويحاول أن يثبت نفسه في مجال عشقه منذ أكثر من خمسين عاما، اخلص للفن ولكن الفن لم يخلص له ، فيقول إن حال الفنانين في القدس سيئ للغاية فلولا بسطة الكعك و البيض والفلافل لما تمكن من مواجهة متطلبات الحياة الصعبة في القدس، ولو اعتمد على الفن لبات  هو على رصيف الشارع  ولنام أطفاله بدون طعام .

  ما علينا 

 المهم ،. إن حكاية الفنان الانسان الطيب ابو شادي هي حكاية القدس بكل تفاصيلها وبكل حيثياتها الانسانية، هي حكاية المثقف الفنان الذي أفني حياته بحثا عن مكان له في فضاء الفن فوجد نفسه خارج هذا الاطار لأنه من القدس وباق في القدس ويعمل من أجل القدس ، لو رحل هذا الفنان خارج المدينة لأصبح مشهورا يشارك في المهرجانات والمسابقات والأفلام وتقدم له السيناريوهات المختلفة. 

 إن حكاية أبا شادي الطيب الانسان الفنان هي حكاية  مسلسل باب العامود الذي يشارك به أبو شادي مع مجموعة من المتطوعين الفنانين وعلى رأسهم الفنان المبدع أيضا اسماعيل الدباغ  صاحب الفكرة والإخراج والتمثيل، وبإمكانيات تكاد تكون معدومة تم إنتاج مسلسل باب العامود والذي رغم كل الملاحظات حوله في أجزائه السابقة إلا أنه بات علامة واضحة  في  التلفزيون بالنسبة لكل الفلسطينيين والمقدسيين بشكل خاص في الخارج والذين ينتظرون بفارغ الصبر شهر رمضان ليشاهدوا هذا المسلسل الذي يصور وينتج ويمثل في زقاق القدس العتيقة ، مما يزيد من  عشق القريب والغريب للمدينة وينقل خفقان قلب المدينة إلى كل من يعشقها .

 هذا المسلسل لا يلاقي اي دعم او ترحيب من قبل المؤسسات الفنية الفلسطينية و لا العربية ( بالتأكيد التي باعت القدس بأبخس الاثمان)  لأنه باختصار من القدس  التي يريدونها ان تبقى ذكرى في الخيال وليس واقعا .

  كل مرة يتحدث فيها أبو شادي عن المسلسل بشغف كبير يشعر المستمع بالغيرة من حب هذا الإنسان الفنان لعمله الفني ورغبته الجامحة بأن ينجح هذا المسلسل لأنه قطعة من روحه رغم أن مردوده المادي يكاد لا يذكر، ولكن كما قال هذا الرائع فإنه من اجل الاجيال القادمة ومن أجل القدس فإنه مستعد للتضحية لإنجاح هذا العمل ليكون وثيقة فنية انسانية واقعية حتى ولو كانت متواضعة ولكنها شهادة صادقة ترسم حياة البشر بكل تفاصيلها المؤلمة والسعيدة، رغم ضعف الإمكانيات.

 قال كلماته هذه قبل ان يسرع الى طفل طلب نصف كعكة ومعها فلافل وزعتر. قام ابو شادي بإعطائها لهذا الطفل السعيد، وقبل ان يغادر قال له ابو شادي: يا سيدو خذ هذه السكاكر لك ، انتبه لدروسك. كانت سعادة الطفل الطالب لا توصف وهو ينقل قطعة السكاكر من يده إلى جيبه يخبئها عميقا هناك فهي من عمو ابو شادي.

 شكرا يا ابا شادي على انسانيك وعلى فنك وعلى عشقك للقدس واهلها، فانت ما تريده القدس في هذا الزمن الاغبر.

 وللحديث بقية