• 8 شباط 2023
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل العسلي 

كعادتي في كل مساء شتوي توكل  لي من قبل العائلة  مهمة تقشير البرتقال  ونحن نجلس أمام المدفأة  نشاهد التلفاز،  وعلى غير العادة ذات مساء رفعت حبة البرتقالة الجميلة بيد وامسكت  السكين بيدي الاخرى كخطوة اولى قبل ان احز البرتقالة . ولكني للوهلة توقفت واخذت اتامل البرتقالة بنظرة اعجاب  فلقد راعني لونها البديع وجمالها الخلاب واريجها الهادئ الطيب ،  ولمحت في مسماتها نضارة عجيبة  فسألت زوجتي اتمنى ان لا يكون بها من العطب ما كان بتفاحة الأمس ، فردت زوجتي  قائلة :  كلا يا زوجي العزيز لن يكون كذلك قط  فان البرتقال يتميز عن  باقي الفواكه ان العطب يبدأ من خارجه وليس من داخله ، فإن وجدت قشور البرتقال سليمة فكن على يقين جازم أن داخلها سليم كذلك، وأكملت زوجتي حديثها بالقول ان البرتقالة امينة صريحة صادقة ، ولا تخفي بسلامة ظاهرها خبث باطنها،  وليس الوضع كذلك مع التفاحة التي قد تبدى لك ظاهرا نضرا لامعا ، فإذا ما شققت  جوفها قد تكتشف فيه العفن يخبئ أخبث الدود!. قلت لزوجتي هذه ميزة لم اكن اعرفها عن البرتقال وأنه لهذه الميزة فقط على بائع الفواكه ان يرص البرتقال في صندوق من الزجاج ويغلفه بورق شفاف حرصا على هذه النفس الكريمة وأن لا يهان بالصناديق الكبيرة ويرمى بكميات كبيرة وبأسعار بخس ، البرتقال لعمري أجدر بهذه العناية من التفاح الخداع .

 في هذه الأثناء ونحن نحمد الله على نعمة البرتقالة التي استمتعنا بطعمها ورائحتها وحتى من قشرتها،  اتصل بي صديق عزيز وقد بدا عليه الانزعاج وخيبة الامل  واضحة  في  صوته القادم عبر الهاتف،  سألته عن سبب ذلك قال إنه يشعر بألم  وحسرة كبيرة بسبب ما يحدث في القدس  هذه الأيام  فلقد  تم توجيه الدعوات للعديد ان لم اقل الكثير من سكان المدينة للمشاركة في مؤتمر ما، سيعقد في  مقر الجامعة العربية  بالقاهرة  محوره القدس وسبل دعمها ، وأضاف ونبرة صوته ترتفع بشكل متسارع تدل على غضبه :  ان الجميع يعرف ما قدمت للقدس وما زلت أقدم  ليست منة  مني لا سمح الله بل حبا وعشقا للمدينة واهلها ، ولكن ما يحز بنفسي ان ارى اشخاصا يعتبرون القدس سوى حانوت او مشروع  للربح السريع على حساب المقدسيين قد تمت دعوتهم لهذا المؤتمر الذي يحمل القدس وبالتأكيد لن يحقق أية نتائج ، ولن يكون مصيره  أفضل من غيره من مؤتمرات عقدت باسم القدس على مدار سنوات طويلة كما قال هذا الصديق الذي اعرفه منذ عشرات السنين رافعا اسم القدس في كل مكان يذهب اليه وبصماته واضحة ولا يختلف عليها اثنان .

 قلت له بعد أن صمت لفترة  محاولا تهدئته : هون على نفسك الأمر ولا تحزن فحبك للقدس وعملك من أجل المدينة وأهلها  لن يفيدك لأنك برتقالة رخيصة …!! ففي هذا العصر الأغبر خير لك واقوم  أن تكون تفاحا معطوبا من أن تكون برتقالا جيدا. وما أكثر بين الناس هذا البرتقال الرخيص ، هذا يذكرني بصديق  توفاه الله كان  اولى الأمر يكيلون له المديح  والثناء على جودة عمله  ولكنهم يستصعبون أن يحولوا هذا الثناء إلى أفعال فتم تجاهله من كل المناصب ومن كل الرواتب فمات كمدا فهو برتقاله رخيصة .

 قلت لصديقي ارجو ان تتمنى لهذا المؤتمر أن يكتب له النجاح لأنه قد يكون فيه برتقال رخيص نظيف صادق ..  فكل خطوة تحمل معنى القدس يجب أن تكون مباركة وان يتم  تشجيعها ، يجب يا صديقي أن تكون متفائلا، فنحن مع كل من يعمل من أجل المدينة وأهلها واقصاها وكنيستها ، وأكملت حديثي  بانه من الافضل ان تكون برتقالة رخيصة صادقة من أن تكون تفاحة خبيثة ، فما كان من صديقي الا ان اغلق الهاتف ولم يكمل المحادثة معي …

 وتذكرت أيضا ذلك الكاتب الذي منح القدس وأهلها كل مقالاته وكتبه وكان سفيرا متجولا باسم القدس في كل أنحاء العالم ولكن لم يلقى أي تكريم فهو برتقالة رخيصة فعاش وحيدا معزولا في منزله ومات هما وغما وحزنا على المدينة وأهلها.

في هذه الاثناء عدت الى البرتقال في الجلسة الشتوية  مع العائلة للاستمتاع بهذه الفاكهة اللذيذة 

 وللحديث بقية