• 11 نيسان 2023
  • نبض إيلياء

 

 بقلم : خليل العسلي 

 

 إن ما جرى ويجري وسوف يجرى في المستقبل في  المسجد الاقصى / الحرم الشريف  من انتهاكات خطيرة وتدنيس لحرمة المكان المقدس من قبل الشرطة الإسرائيلية ، ناجم عن التغير الجذري في موقف المؤسسة الرسمية والشعبية اليهودية الإسرائيلية  تجاه مكانة  الأقصى ، هذا التغير الجذري هو نتيجة عمل متراكم وطويل الأمد  للجماعات اليهودية المتطرفة والتي حققت  نجاحات مذهلة بمساعدة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بغض عن النظر عن كونها يمينية او يسارية ،عمالية أو ليكودية،علمانية او دينية أي وصف آخر.

 هذا النجاح والذي رافقه هذا التغير الجذري يتمثل في تغيير التوجه العام  اليهودي الإسرائيلي من مكانة الأقصى في الابجديات اليهودية باعتباره اكثر الاماكن المقدسة لليهود وعليه فإنه وفق القانون الذي وضع خصيصا من أجل ذلك ( اي حق حرية العبادة )  جاء تأكيدا على حق كل يهودي قومي صهيوني متدين و علماني أن (يزور) وأن يصلي فيه.

 هذا الموضوع أصبح جزءا أساسيا في الإجماع العام الاسرائيلية بحيث أن الغالبية العظمى من الشارع الإسرائيلي تعتبر أن هذا حق متأصل، لا تنازل عنه .

  وهذا التوجه يبدو واضحا حتى في وسائل الاعلام الاسرائيلية العبرية التي هي الخادم المطيع للمستوى الرسمي بكل ما يخص الأقصى والفلسطينيين بصورة عامة فتلك  الوسائل لا تحاول ان تناقش و تتجرأ على المس بما اسماه احد الاصدقاء بالبقرة المقدسة، بل تعدى الأمر إلى استخدام مصطلحات خطيرة كوصف اليهود المقتحمين للاقصى بالمصلين اليهود! حتى رجال الدين اليهودي والذين يتمسكون بالفتوى التي تحرم على اليهود الذهاب إلى الأقصى ويعارضون بشدة قيام هذه الجماعات اليهودية الصهيونية المتدينة بتدنيس الأقصى ( جبل الهيكل) لا يتجرون على  مواجهة هذا التيار اليمين القومي الذي يسيطر على إسرائيل بذلك خشية اثارة المؤيدين لهم في معسكر الناخبين الاوفياء، ولن تجد يساريا ممن يصرخوا صباح مساء بالتعايش مع العرب وإقامة دولة فلسطينية يخرج عن هذا الإجماع اليهودي بموضوع الحق اليهودي في الأقصى الاختلاف الوحيد بين اليسار العلماني وبين اليمين المتدين هو ان اليسار يفضل عدم تطبيقه حاليا ..

 اضافة الى هذا الإجماع الذي نجحت بخلقه الجماعات اليهودية المتطرفة بمساعدة المؤسسة الرسمية فإن  تغيرا جذريا اخر حدث في صفوف قيادات الشرطة والتي هي تتاثر ايضا بهذه التحولات ، فالشرطة الاسرائيلية  هي ذراع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية وتطبيق سياساتها، ولكن هناك ايضا قناعة لدى بعض قادتها  بان هذا المكان ( الحرم الشريف) هو لهم أي اليهود فقط وأنه من كرم أخلاقهم يسمحون للمسلمين حاليا بالصلاة فيه والدخول اليه، ناهيك عن النظرة العنصرية السائدة في قيادات الشرطة وعبر عنها بصور واضحة مفتش عام الشرطة عندما قال ما معناه إن العرب قتله وعنفين ويجب تركهم يقتلون بعضهم بعضا  .

 هذه القناعة المترسخة في عقول قادة الشرطة (على الأقل في العقد الأخير) ومن وراءهم المؤسسة الرسمية بما في ذلك رؤساء الحكومات المتعاقبة وخلفهم جميعا الشارع اليهودي يفسر طريقة تعامل الشرطة بكل قسوة مع المصلين، والذين يطلقون عليهم مصطلح  (مشاغبين ) لازالة القداسة عن ذلك المكان،  فهذه الشرطة لا تعرف للمكان حرمة ولا قدسية ومن أجل التذكير لهؤلاء المسلمين من هو صاحب المكان ومن له اليد العليا بكل ما يتعلق باولى القبلتين وثالث الحرمين .

 هذا المنطق  انعكس على طريقة تعامل الشرطة الاسرائيلية بمستوياتها المختلفة مع دائرة الاوقاف الاسلامية والتي هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن ادارة المسجد الاقصى وهي اكبر واهم مؤسسة قائمة في مدينة القدس،  فقبل الانتفاضة الاخيرة في عام الفين كان هناك نوع من التفاهم لدى الشرطة ان يتم ترك الاوقاف تعمل بكل حرية  فيما يخص المسجد الاقصى /الحرم الشريف ، ولهذا لم نرى او نسمع اي تدخل لا على ابواب المسجد ولا داخله ، ولكن وبعد الانتفاضة قررت المؤسسة الامنية الاسرائيلية بتغير قواعد التعامل مع الاوقاف الاسلامية وان تتدخل اكثر في عملها الداخلي بعد ان سيطرت كليا على بوابات المسجد الأقصى بحيث ان ابسط شرطي يمكنه ان يمنع اي شخص عادي او اي مسؤول مهما علا شأنه ( كما حدث مع السفير الاردني)  من الدخول الى الاقصى ولن يعاقب على ذلك من قبل المسؤولين عنه ، طبعا الشرطة عللت هذا التغير الجذري بضرورة توفير الحماية ل "الزوار اليهود" بعد ان فتحت عنوة ابواب المسجد للسياحة بدون اي تنسيق مع دائرة الاوقاف التي كانت تتولى عملية تنظيم دخول السياح الاجانب بما في توفير الادلاء لمرافقة الوفود السياحية والتاكد من احتراهم لحرمة المكان المقدس، ناهيك عن تحصل رسوم دخول والان وبفضل السيطرة الاسرائيلية اختفت حرمة المكان لدى السياح والذين يتعاملوا مع الاقصى وفق الرؤية الاسرائيلية بالضبط باعتبار الابنية مكانا مقدسا اما رحاب الاقصى اي ساحاته فهي حدائق عامة ، واصبحنا نرى مظاهرة خادشة للحياء لا اعتقد حتى الدين اليهودي يوافق عليها،( انظر ماذا يحدث في الاحياء اليهودية المتدينة حفاظ على الحشمة ) وسط غياب كامل لدور حراس الاوقاف والذين تعاقبهم الشرطة في حال تدخلوا بالاعتقال والابعاد عن المكان وفتح ملف امني لهم .

  بعد ان حدث هذا التغير الجذري في عقلية وفي موقف الشارع الاسرائيلي جاء دور تغير الواقع في الاقصى نفسه ، وبدأنا نرى  الاعتداءات التي يقوم بها المقتحمون اليهود تحت حماية الشرطة عن قصد والتي سمحت لهم بأداء الصلوات الصامتة باستخدام هواتفهم النقالة وقيامهم بإعطاء دروس  داخل المسجد الاقصى/ الحرم الشريف بحراسة الشرطة التي تمنع حراس الأوقاف من الاقتراب منهم، وشاهدنا تصرفات لم يكن يحلم بها حتى "غرشون سلمون" مؤسسة جماعة أمناء الهيكل ذلك الشخص الذي حمل شعار هدم الأقصى وبناء الهيكل قبل سنوات طويلة  وكانت الشرطة تتعامل معه كمجنون  وتمنعه حتى من الاقتراب من البلدة القديمة وليس دخول الأقصى..

 ومن هنا  يمكن القول إن الشرطة خلقت واقعا جديدا على أرض الواقع بغض النظر عما يتحدث عنه الجانب الرسمي بالحفاظ على الوضع القائم … أي وضع قائم . وباتت الشرطة هي الحاكم  الحقيقي  للمسجد الاقصى/الحرم الشريف لدرجة أن إدخال ورق التواليت يحتاج الى موافقة من اعلى مستويات الشرطة ، ناهيك عن أعمال الصيانة التي شبه المعطلة رغم تفاخر البعض من دائرة الأوقاف بأنهم تمكنوا من إدخال بعض المواد ، طبعا هذا لن يساهم بتحسين أوضاع المسجد الاقصى المتدهور فهو بحاجة الى حملة ترميم واصلاح واسعة، المبكى في الموضوع ان الشرطة تعلل هذه الاجراءات بالحفاظ على الآثار ومنع تدميرها 

اي اثار هذه التي تمنع  اصلاح الاضرار في الطريق وإعادة الحجارة التي اقتلعت من الطريق حفاظا على حياة المصلين من كبار السن .

أي آثار هذه تمنع من ادخال انبوب ماء لاصلاح عطل في أنبوب مثقوب في الحرم، أي آثار هذه التي تمنع الأوقاف من تحسين نظام الإطفاء حماية للمسجد .

 ما لم يفهم الجانب الاسرائيلي ان منطق القوة ومزيد من القوة لا يعنى أنك على حق .

 ما لم يفهمه الجانب الاسرائيلي ان الاقصى / الحرم الشريف هو الهوية الجامعة لكل المقدسيين ،بعض النظر عن انتمائهم العقائدي، وان كل مقدسي من شيخ وشاب امرأة وصبية لن يتنازل عن هذه الهوية لأنه بدون الاقصى لن تكون له هوية.

وللحديث بقية … إن بقى في العمر بقية