• 22 آذار 2024
  • نبض إيلياء

بقلم : خليل احمد العسلي

 

قبل يومين جلست مع أحد الخبراء الأجانب والذي يعمل على دراسة حالة بلدية القدس والتي أصبحت أكثر يمينية يهودية متدينة  لا تقبل الآخر،   وأحوال المقدسيين في المدينة، ومحاولة الحصول على إجابة شافية ترضي العقلية الغربية  عن سبب  عدم مشاركة المقدسيين في الانتخابات البلدية عارضا موقف اليسار الإسرائيلي في القدس ،(رغم أن الحرب على  غزة  أثبتت بالوجه القاطع أنه لا يوجد يسار اسرائيلي، وان مهمة اليسار الإسرائيلي تاريخيا هي محاولة تجميل وجه الاحتلال وهذا اليسار لا يظهر في زمن الحروب فهو صامت بل في زمن الهدوء نسمع صوته ).

 فقلت لهذا الخبير الباحث عن الحقيقة الظاهرة للعيان بكل وضوح : 

 لي صديق يعشق الارقام والاحصائيات بل ويعشق  اكثر تحليل هذه الأرقام  فهو فريد من نوعه في القدس عامة  وفي هذا المجال بشكل خاص  حيث  يعتبر مرجعا دوليا.  

 ما علينا 

 المهم ، لنعد إلى  صديقنا  الأجنبي وقلت له : 

لقد عرض هذا الصديق قائمة طويلة من الأرقام  حول الانتخابات البلدية  الأخيرة في القدس  ونسبة التصويت في كل خي من القدس ولمن تم التصويت ، تلك الانتخابات التي علق عليها الآمال من قبل جهات بعينها  أنها ستكون بمثابة الثقب الأول في السد العربي الرافض للمشاركة ، جميع الارقام موجوده في مركز الإحصاء المركزي الإسرائيلي ولكن الأهم هو تحليلها واستخلاص العبر .

من الارقام المذهله  هي نسبة المشاركة العربية في الانتخابات تلك المشاركة لم تتجاوز

  أكثر من  2 %  مقارنة مع 5 % في الانتخابات السابقة ( الغالبية العظمى من المصوتين التقليديين هم من موظفي التربية والتعليم  ومؤسسات بلدية القدس) .

 واظهرت الارقام أنه حتى المرشحة  العربية التي نشطت في الأيام الاخيرة  قبل الانتخابات "سندس الحوت"   والتي علقت عليها العديد من الجهات الاسرائيلية الامل بان تكسر القالب وان  تتمكن من الدخول للمجلس البلدي لتكون أول ممثلة عربية عن سكان القدس  لم تتمكن من الحصول على النسبة التي تخولها من الدخول الى المجلس البلدي والتي هي  2211 صوت . 

وهذا يعني أن الجهود التي بذلت هنا وهناك  والتي تراوحت ما بين الترغيب بإيجابيات التصويت ( خدمات افضل) وما بين الترهيب بسلبيات عدم التصويت( مزيد من العقوبات )   لإقناع المقدسيين بضرورة المشاركة في الانتخابات البلدية  من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والحياتية ، ومن أجل الحصول على حقوق أكثر  تلك الجهود قد منيت بفشل ذريع .

هذه الجهود بذلت العديد من  الدول الأوروبية ومن لف في فلكها تلك الدول التي تلقى  دائما اللوم على المقدسيين لعدم مشاركتهم في الانتخابات البلدية الاسرائيلية، متناسين أن المشكلة لا تكمن في  مشاركة أو عدم مشاركة العرب في هذه الانتخابات. وتناسيت تلك الدول الغربية أن القضية ليست  خدمات وحقوق بقدر ما هي قضية سياسية بحتة ( فكل ما يتعلق بالقدس الشرقية يدار من قبل الحكومة وليس من قبل البلدية ) والتوجه الاسرائيلي العام بطريقة التعامل مع المقدسي من المنظور الأمني فقط وأنه يشكل تهديدا أمنيا على جاره اليهودي ، اضافة الى عدم التعامل مع المقدسين بنفس مستوى التعامل مع اليهودي ، منذ أيام تيدي كوليك الثعلب الذي كان يستغل العرب اكبر استغلالا ، دون أن يقدم لهم أي شيء، وصول أي رئيس البلدية الحالي 

لذي لا يخفي موقفه الحزبي اليميني المتدين الضيق ضد المقدسيين مرورا بـ ايهود اولمرت ، نير بركات وجميعهم لم يضعوا المقدسيين في حساباتهم الانتخابية ولا حتى في ميزانية البلدية إلا وفق ما يخدم رؤيتهم للقدس،  كما أن نظرتهم  للعربي الجيد لم تتغير،والذي عليه أن يقبل أن يكون جزءا من الرؤية اليهودية للقدس بل ويخدمها ويطبقها على أرض الواقع .

 والذي يعزز من العزوف المقدسي المفهوم والمقبول ، هو  ما يجري في مدينة القدس عامة، تلك المدينة التي بات العيش فيها صعب  ليس فقط للعرب الفلسطينين  بل حتى لليهودي الآخر العلماني اليساري، فالهجرة منها أكبر من الاستيطان فيها . وخير دليل على ذلك هي أن  نسبة التصويت عامة في المجتمع اليهودي بالقدس  في هذه الانتخابات وصلت الى 32% فقط وهذا يشكل  تراجعا كبيرا مقارنة مع الانتخابات السابقة.

وسجلت اعلى نسبة تصويت الأعلى في المجتمع اليهودي المتدين ( الحريديم)  في القدس حيث وصلت تلك النسبة إلى  أكثر من 70% مما انعكس  على شكل المجلس البلدي للمدينة والمكون من 31 عضوا منهم 20 عضوا من الأحزاب المتدينين الحريديم،  واليهود المتطرفين المتدينين القوميين من أمثال اريه كينغ وغيرهم .

 وختمت حديثي مع الضيف الأجنبي الباحث عن الحقيقة الساطعة: 

إن هذه هي المشكلة في القدس  التي باتت مدينة يهودية متدينة يمينة متطرفة  ترفض الآخر غير متسامحة قاتمة الألوان ، وحتى لو صوتت نسبة كبيرة من اصحاب حق الاقتراع في أوساط المقدسيين فإنها لن تغير الواقع  المر الذي تعيشه منذ احتلال المدينة وبالتأكيد ستبقى تعيشه المدينة في السنوات الطويلة القادمة.

وللحديث بقية إن بقى في العمر بقية