- 20 نيسان 2025
- حكايات مقدسية
بقلم : الباحث مازن اهرام
على قارعة الطريق وعلى الجسر المؤدي لمدخل باب العمود وقف الحاج مسعود منتصباً ممشوق القامة موزون الخطوات تكاد مشيته هوناً ينصبُ من علٍ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ" متوافقٌ بحركة اليدين مع الرجلين رافع الرأس مزهوا بقامته ولباسه التقليدي الجميل القمباز الفلسطيني
صفحة وجهه مشرقة والابتسامة تعلو محياه وتُلوّن قسمات تعابيره يُضرب بها مثل الفتوة عند العرب كأنها منذ الأزل دالاّ على الهيبة والرجولة وقد يُضفي على بعض مُحياه لمساتٍ جمالية شارِبهُ ُشهرةً على أطراف الأفواه له جذور تاريخية هنالك أيضا عبارة شعبية دارجة تقول: «يقفُ على شاربه الصقر»
رقة وعذوبة في الأسنان. وكأنه أتى من أعماق التاريخ والدهر السحيق إذ كانت في الأجيال السابقة لشخصية الحاج مسعود صولة ودولة ورمز الرجولة ومبعث الزْهوُ وبين ثانيا حزامه الأسود السميك معلقٌ بالحزام الذي يُغطي منطقة البطن الشِّبْرِيَّة ذو غِمدٍ جِلدي مُزخرفٌ ومُطعمٌ بالفصوص اللؤلؤية وهي عبارة عن خنجرٌ قصيرٌ غير معقوف النصل من الأسلحة البيضاء العربية التقليدية لها قِيمةٌ تُراثيةٌ وسُميت كذلك نِسبةً إلى طول نصلها الذي بطول شبر اليد، وتُسمى أحياناً بالجنبية
يحملُ بيده اليُمنى نبوتٌ عصاً خشبيةٌ سميكةٌ من خشب المحلب مُستقيمةٌ تنتهي في الطرف بكتلةٍ مستديرة، ويرجعُ أصلُ التسمية إلى كلمة نبا في اللغة الهيروغليفية التي تعني عموداً أو ساريةً من الخشب، وكانت وحدة لقياس الأطوال عند المصريين القدماء.
وفي يده اليسرى غليُونَه الخشبي المنحوت يدويّاً ربما ورثه عن جده ينْفثُ دخان الهيشة ببطءٍ مستذكراً الماضي، وكأن الغليون يروي له قصصاً عن رحلة الحياة مليئةٌ بالمشاق والمتاعب التي سرعان ما تتلاشى كالدخان، لكنها تبقي الدفء كما تبقي التجارب فوائدها، المهم أن نجد شيئاً يُبقينا مرتبطين بأرضنا وبما نحب مدينتنا أبوابها وأسوارها حواريها وحاراتها العتيقة التي أصبحنا بها أغراب فكل شيء تغير حتى وجوه الناس التقاليد العادات الأعراف والملابس و....
فضلا عن جذب الانتباه أثناء سيره لفت نظرات المارة السائرين نحو البلدة القديمة والذين تختلف ردود أفعالهم ما بين مبتسم ومستغرب ومهرول لأخذ صورة تذكارية معه شد انتباه العابرون وكأن الزمان يعود ليت الزمان يعود يوماً..
وتعود معه الطمأنينة والبركة ودفء الأماكن أكثر ما نتمناه هو العودة إلى زمن كانت فيه الحياة أبسط وكنا سعداء واثقاً بنفسه يبوح بصوت جهور فالحقّ أبلج والباطل لجلج هذه قُدسي وُلدْتُ هنا فسئلوا حجارتها لعلها تُنْبُئكمَ من أنا فلسطين بركان ثائر حجارتها تدُقُ رؤوس الأفاعي فيا معتدِ غادر يا أثيم سنشرق شمساً تضئُ الهشيم
حكايتنا اليوم هندام الحاج مسعود
الثوب الرجالي الفلسطيني ويعرف باسم القمباز ويتميز بقماش الصايا الناعم والمخطط باللون الكحلي او الأسود في الأصل، كان القمباز شائعا في بلاد الشامِ جميعها، كان موحداً لأهلها ورجال الدين مسلمون ونصارى وعامة الناس ارتدوا قمباز الديما أو القباقيبو، أما البعض الأخر فارتدوا قمباز الحرير البناتيّ، بينما ارتدى أبناء الطبقات العليا والأثرياء قمباز الغباني وهو عبارة عن قطعة من القماش الجوخ تشبه الجلابية إلا أنه مفتوح من الأمام وهو ثوب كان يرتديه الرجال في فلسطين ويطلق عليه في بعض المناطق اسم الكِبِر (التشيبر) أو الدمّاية، وقد ظهر القمباز في القرن السادس عشر قبل الميلاد واختلفت نوعية القمباز بحسب الطبقة الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي كان ينتمي الفرد إليها،
كان أهل البلدة يرتدون هذا الزي في كل المناسبات الأغنياء والمثقفون وكبار العائلات ووجهاء البلدة الذي لهم مكانة شعبية واجتماعية
وقمباز الصيف يُصنع من الكتان وتختلف ألوانه تماماً عن القمباز في الشتاء، أما قمباز الشتاء فيكون من جوخ ويلبس تحته قميص أبيض من قطن يسمى المنتيان ويضع من يرتديه على خصره إما "كمر" عريض أو شالة من الحرير مربعة الشكل تقريباً طول حرفها حوالي المتر، لونها خمري أو أسود.
القمباز: هو رداء طويل ضيق من عند الصدر ويتسع ابتداء من الخصر إلى القدمين وهو مفتوح من أعلى إلى أسفل من الأمام يشبه الروب ويربط أحد طرفيه في داخل الطرف الآخر بقيطان ثم يُرد الطرف الآخر الظاهر على الجهة اليسار ويُربط بقيطان أيضا ويكون فوقه حزام من الجلد وتختلف نوعية القماش في الصيف عنه في الشتاء ويمكن تقسيم الدمايه إلى:
الدمايه العادية: تصنع من القطن أو الكتان وتلبس في البيت أو العمل
دماية الروزا: تصنع من الحرير وتلبس في الأعياد والمناسبات
دماية الأطلس: وهذه خاصة بالمدن والقرى وتصنع من قماش يسمى الأطلس
دماية الصوف: تصنع من الصوف ويطلق عليه في بعض المناطق من فلسطين الغنباز وفي مناطق اخرى الكٍبر (التشيبر) أو الدماية.
وبالبحث أكثر عن أصل لفظة القمباز، نجد من يقول بأنَّ فصيح القمباز هو القباء، فقد أورد دوزي في مُعجمه (تكملة المعاجم العربيّة) أنّ القمباز: هو قباء أو جبّة واسعة ذات كُمّين يلبسها الرّجال، ويضيف صاحب المعجم العربيّ لأسماء الملابس أنّ القَبَاء (القباء بفتح القاف والباء) هي كلمة فارسيّة معربة، وأصلها في الفارسية: قباي، وهي تعني: ثوبًا مفتوحًا من الأمام، وهناك من يردّ أصلها إلى الإسبانيّة (gambit) الّتي تعني قميصًا يلبس على الجسم مباشرة تحت الدرع، أو سترة يلبسها المحاربون تحت الدرع. وبالعودة إلى لفظة "قمبز" نجد أنّه يؤدّي نفس الوظيفة التي يؤدّيها القُمباز الشّتويّ الجوخ الّذي كان مخصّصًا للشّتاء.
هذه الرّحلة التي عبرها المصطلح حتى وصلنا بعد مئات السّنين تحمل معها إرثًا ثقافيًّا ومعرفيًّا يجعلنا نفهم تاريخنا أكثر ونقدّر لغتنا أكثر وأكثر ونسعى لتدوين حكاياتها ونحفظها لأجيال أخرى يقولون ما عاد في العمر بقية وانا اقول ما زال هناك أيام تعاش وما زال هناك لحظات ننعم بها بكل الجمال الذي خلقه الله وما زال هناك طُرودٌ من الفرح تُهدى إلينا وباقات من الحب تُزهرْ بأيامنا وسحابات من السعادة تُنعشُ قلوبنا لا تنظروا لما خلفته زوابع الهموم من غبار وسيبقى الصيف مشرقاً بشمسه ما زال في العمر بقية وما زالت قلوبنا متأهبة للوثوب الى محطات الفرح ما بقي من العمر هو الاجمل بإذن الله والذي مضى ذهب واختفى في اروقة الزمان ولن يعود الا خيالاً نقابله في محطة الذكريات
مادام هناك حياة هناك امل........!