- 11 حزيران 2025
- حكايات مقدسية
القدس - أخبار البلد - يخصص الباحث الشيخ "مازن أهرام" حكايته في هذه العجالة للحديث عن بعض المظاهر التي لها عظيم الأثر في نفوسنا عندما كنا اطفالا ولا نزال نذكرها لاطفالنا بعد ان اختفت لأسباب لا تمت إلى روح القدس المتسامحة المتصالحة مع نفسها ومحيطها .
واليكم الحكاية :
أذكر أيامٌ خلتْ في المسجد الأقصى المبارك عندما تعود بي الذاكرة إلى أيام الصبا فإن أجمل الذكريات هي ذكريات الحداثة اليافعة
أذكر مثلا أنني أطمح في جني مزيد الحسنات خصوصاً يوم الجمعة أحرص مرافقة الوالد للصلاة بالأقصى بحيث لا تفارق يدي يده في حواري البلدة القديمة من زحمة الطريق كنت ألبس أطيب ثيابي ثم نخرج باكرين إلى المسجد كي لا تفوتنا الصلاة وخطبة الجمعة نبحث عن ركن نجلس فيه أتوسط بين المنبر والمحراب طمعا في رؤية الخطيب بين المصلين مستقبلا القبلة لأداء تحية المسجد كانت ذكريات جميلة لطفولة بريئة لا أكثر ولا أقل
أتذكر شيخنا الفاضل «الشيخ جميل الخطيب الكناني الجماعي تغمده الله بواسع رحمته» وهو رجل أزهري عالم متبحر وقور وقلب طيب وابتسامة مشرقة درستُ القرآن والفقه على يديه منذ نعومة أظافري وكنت أشعر بشيء من الفخر والخيلاء عندما يطلب مني أن أتلوَ عليه بعضاً من آيات الذكر الحكيم أو كتابة خطبة نقرأها على مسامعه من كتاب لسان المنبر في الخطابة والوعظ والإرشاد
يتفوّه شيخي الجليل بجملة لطالما أطربني سماعها: (فتح الله عليك يا بني)
كانت تلك ذكريات جميلة لطفولة بريئة وأحيانناً كان يردد عبارته المشهورة قائلا (تُريد أن تُصبح زبيباً وبعدك حُصْرم!!) عندما أُوقظ سيبويه من مرقده من تتابع أخطائي الإملائية وقواعد اللغة العربية .....
وتمضي تلك الأيام وكأنها حُلم أتذكر من اقتباسات قول الشاعر أبو تمام
ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ
شكوت وما الشكوى لنفسي عادة وَلَكِن تَفيضُ النَفسُ عِندَ اِمتِلائِها
الحكاية اليوم غابت عن أهم عناصرها التاريخية ألا وهي تلك القامات الشامخة من أئمة وعلماء والعائلات المقدسية حاملة البيارق وهي على سبيل المثال، العلمي، الدجاني، الداودي، قليبو، القطب، يونس، الحسيني التي ارتبط اسمها في مواسم كموسم النبي موسى عليه السلام
والعديد من العائلات الاخرى التي اختفى معظم أصواتها كليا عن المشهد المقدسي بهدف تهميش للقدس وزيادة في عزلتها وتعميق الاغتراب الذي تعيشه القدس أصلا ، فالرعيل الأول إمتداد لليوم واستمرّ هذا الطور التاريخي ممثلًا في رموز الاستنارة الفكرية الأدبية الثقافية تلك اللبنات التي وضعها جيل آبائنا لمنحنا بلداً نفتخر بماضيه وريادته في العلم والثقافة والفن والمؤسسات المالية والاقتصادية جيل الآباء والأجداد نجبر على الترحم عليهم، ونثني على خصالهم ومآثرهم الطيبة، ليس من باب أنهم يمثلون موروثنا الاجتماعي وامتدادنا التاريخي فقط بل لأنهم قدّموا لنا وطناً وأسّسوا حضارة نعتز ونفتخر بها و لأنهم أخلصوا وأبدعوا وانجزوا رغم كل المعوقات والصعوبات.
وحكايتنا اليوم أضحت في غياهب الأيام وأصبحت ذِكرى تبقى ، أنت جالس في المكان نفسه المكان الذي تتطاير منه الذكريات المؤرقة والجميلة، تقلب صفحات الماضي وتتذكر أناس لم يبقى منهم سِوى الذكرى تلك الذكريات قد تثير فينا الشجن قد تثير فينا الحزن قد تعود بنا إلى الماضي الذي نرفض نسيانه أو الذي نريد نسيانه ولكن ألا يكفي تذكرنا لها أنها ما زالت باقية فينا وأن أصحابها ما زالوا معنا في قلوبنا وأرواحنا .
المرقي بالمسجد الأقصى وحكايته
المرقي يقف بين يدي الخطيب ، فالترقية المتعارفة آنذاك بتعطير النفوس بذكر خير البشر وترطيب الألسن بالصلاة والسلام عليه والشعور بنعمة الهداية من قراءة آية
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 65)
يتقدم المرقي الشيخ محمد القطب أمام فضيلة شيخنا الخطيب ليرتقي منبر المسجد الأقصى المبارك لأداء خطبة الجمعة وهو منبر صلاح الدين الأيوبي والذي أمر ببنائه نور الدين زنكي سنة 563 هـ ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يقوم بفتح المدينة المقدسة
فلم نرى من كتب أئمتنا حكم المرقى الذي يخرج الخطيب من مخدعه ويقرأ الآية كما هو المعهود هل مسنون أم لا؟"
قال ابن عابدين: "وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أن ذلك بدعة، لأنه حدث بعد الصدر الأول، قيل: لكنها حسنة؛ لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما في هذا اليوم، وبحث الخبر على تأكد الإنصات المفوت تركه لفضل الجمعة،
وقول - القائل ابن حجر - يستدل لذلك أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة الوداع وقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بالاستنصات وهذا هو شأن المرقي فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلاً".
ثم يصدع الشيخ عبد الله يوسف أبو شوشة الحديث المتفق عليه
(إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت)
يصعد الخطيب الدرجة التي تلي مجلسه رويداً رويداً وتسمى المستراح ويؤذن بين يديه وبانتهاء الأذان أي وما يسن بعده من الذكر يشرع في الخطبة
حكاية ثانية
جاء في ذكر العصا للخطيب روايات متعددة
يعتمد الخطيب في حال خطبته (على سيف أو عصا) ونحوه كالقوس
فما الحكمة في أن الخاطب يخطب متقلداً بالسيف ما قد سمعت الفقيه أبا الحسن الرستغفني رحمه الله يقول:
" كل بلدة فتحت عنوة بالسيف يخطب الخاطب على منبرها بالسيف ليريهم أنها فتحت بالسيف، فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك باق في أيدي المسلمين نقاتلكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام، وكل بلدة أسلم أهلها طوعاً يخطبون بلا سيف، ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن فيخطب بلا سيف، وكذلك بيت المقدس تم استلامها إلى الفاروق عمر رضي الله عنه من صفر ينوس أي سلماً ومكة فتحت بالسيف فيخطب مع السيف “
فللمسجد الأقصى ومدينة القدس منزلة رفيعة في الإسلام بعد أن تحوَّلا إلى إرث الأمة الخاتمة، فالقدس والأقصى يسكنان سويداء قلب كل من له قلب من المسلمين وهو ثالث المساجد المعظَّمة في الإسلام التي تُشَدُّ الرحال إليها؛ لطاعة الله تعالى، وطلب المزيد من فضله وكرمه، قال صلى الله عليه وسلم:
(لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى)