• 19 تشرين الثاني 2021
  • إقتصاد وحياة

 

بقلم : الدكتور محمد القطب 

اود ان اوضح بعض الامور التي تتعلق بزراعة النخيل في الاغوار الفلسطينية بصفتي من الأوائل الذين استثمروا في هذا القطاع وذلك في العام ١٩٨٤ ،ولم نكن نعرف في ذلك الحين صنف المجول اذ قمت حينها بزراعة ما يزيد عن ٣٠٠ شتله تم تسريبها من أحدى المستوطنات  المقامة على أراضي الأوقاف في العوجا  مقابل 60  دولار للفسيلة الواحدة  ،وكانت من النوع العراقي المعروف بالزهيدي

ولما بدأت تثمر وجدت صعوبات جمة في تسويق المنتج ، الامر الذي حدا بي الى التدليل عليه لدى اصحاب البسطات في مدينة نابلس وبعضه لصديقي المرحوم نعيم العيساوي في أريحا،  وكنت أحصل على ما قيمته شيكلين إلى ثلاثة شواكل للكيلو الواحد ولم يكن هناك اَي مردود اقتصادي  يذكر.

وبعد عشره سنوات من زراعته قمت بالتخلص من الأشجار جميعها بقصد تخضير ساحات الحرم القدسي الشريف الا ان هذا المشروع لم يرى النور فوجدت الأشجار طريقها لأراضي الإغاثة الزراعية في أريحا.

ويعود الفضل في الاستثمار في أشجار نخيل المجول إلى آل الضامن الكرام وذلك في أواسط الثمانينات في قرية الجفتلك،  تلا ذلك زراعة  المجول في أريحا على أراضي المشروع الانشائي،  بعد أن قام الدكتور نصرت فضة رئيس الهيئه الادارية حينها بتأجير أحد المستثمرين ٢٣٠٠دنم ، وكانت الطامة الكبرى حين تم زراعة ما يقارب الخمسمائة دونم باشتال مستنسخة من الأنسجة المريستيمية ، ومن مشاتل اسرائيلية غير انها كانت معطوبة لأسباب تقنية غير معلومة ولم يتم الاستفادة منها مطلقا.

وبعد ذلك تم إحضار أشتال من اسرائيل، حيث لاقت نجاحا كبيرا ورواجا واسعا  وبدأت تنتج الفسائل التي تم تحضينها ثم اقتلاعها وزراعتها في أراضي المستثمرين في أريحا.  وقام العديد من المستثمرين باستئجار أراضي من الأوقاف الإسلامية ، وجلب العديد من الاشتال من المستوطنات في الأغوار الوسطى ، وأصبح الآن لدينا ما يزيد عن ٣٥٠٠٠٠ نخلة في الأغوار موزعة بين أريحا والعوجا وفصائل والجفتلك ومرج نعجة والزبيدات.

ومن الجدير ذكره أن كيلو التمر تراوح سعره في البدايات ما بين ١٦-١٨ شيكل للكيلو الواحد و بدأ في التراجع حتى وصل الى ١٤ شيكل ثم ١٢ ثم ١٠ الى ان انخفض سعره هذا العام الى ٧ شواقل، وإذا نظرنا إلى كلفة الإنتاج فسوف نتفاجأ ان انتاج كيلو التمر يصل الى ٧ شيكل ، آخذين بعين الاعتبار كلفة المياه لري الدونم الواحد في السنة والتي تقدر بألف متر مكعب  واكثر ،  ناهيك عن مستلزمات الزراعة من علاجات لمكافحة سوسة النخيل الحمراء ومبيدات حشرية ومكافحة الأعشاب والأسمدة الكيماوية والعضوية والأكياس والعمالة والتلقيح والتكيس وجني المحصول الخ..!!!

ويجمع مزارعو النخيل على  ان كلفة كيلو واحد من التمر والتي تصل الى سبعة شواقل ، ما هي الا عبارة عن خسارة  مادية و خدمة علم ليس إلا  ،  فأين هي الأرباح التي سيحصل عليها  إذا بقيت الأسعار على ما هي عليها الآن !!!

وإن دل ذلك على شيء فانه يدل على أن المردود الاقتصادي لقطاع النخيل ليس بالقدر الذي يصوره البعض ويتطلع اليه المزارع الا في حالة تحسن الأسعار وزيادة الطلب واستمرار التصدير الى الخارج بوتيرة عالية دون اي معوقات .

كما يتوجب علينا أيضا الأخذ بالحسبان الكم الهائل من المزارع المنتشرة في جمهورية مصر العربيه ودول الخليج والمغرب العربي والسعودية والولايات المتحدة آخذين بعين الاعتبار ، توفر العماله الرخيصه في دول مثل مصر التي بمقدورها المنافسة في السوق العالمي للتمور.

هنا يجب الإشارة إلى الطرق المتبعة في عمليات الحصاد وما يلي ذلك من معاملات بعد الحصاد حيث يقوم المزارعون أصحاب المزارع بتوريد منتجاتهم إلى بيوت التعبئة المنتشرة في الأغوار عامة والتي تقوم بدورها بفرز وتعقيم وتصنيف وتغليف المنتج ، وينتظر المزارع بفارغ الصبر الحصول على مستحقاته إلا أنه بعد كل هذا  الكد والجد يحصل على شيكات مؤجلة وذلك لإفساح المجال لتمكين أصحاب المصانع من الانتهاء من تصدير التمور إلى الأسواق الخارجية وتحصيل ثمنها ، هذا التأخير في دفع المستحقات للمزارع لا يحقق الاستقرار المادي الذي يريح  المزارع ويمكنه  من الإيفاء بالالتزامات المالية المترتبة عليه.

أن مزارع النخيل تواجه اكبر مشكله ، الا وهي شح الموارد المائية حيث أن نضوب مياه الآبار في معظم المناطق في الأغوار  والذي اصبح ايضا شائعا للغاية ، ناهيك عن ارتفاع الملوحة نتيجة الضخ الجائر وكذلك حفر الآبار غير المرخصة والمرخصة التي لا يلتزم أصحابها بكميات الضخ المخصصة ، مما  ينعكس سلبا على الجهة المسؤولة عن مصادر المياه في السلطة الوطنية التي يتوجب عليها  الحرص على المخزون المائي في الاغوار . الذي يزيد الطين بله هو  أن هطول الأمطار  أخذ في التناقص بسبب الاحتباس الحراري ، فوادي القلط الذي كان هو المصدر الرئيس لسد العجز في المياه الجوفية في محافظة أريحا، انخفض  انسياب المياه منه بل وفي أغلب الأحيان يصل إلى النضوب كليا.

إن المشكلة الرئيسية التي اصبحت تؤرق مزارعي النخيل هي الآفات التي تصيب أشجار النخيل ومن أخطرها هي سوسة النخيل الحمراء ، والتي هي بحاجة الى رقابة دائمة وعناية فائقة وإجراءات وقائية استباقية قبل وقوع الكارثة. وهنا لا بد من أخذ الحيطة والحذر ورش المبيدات الحشرية باستمرار ، وهذه بحد ذاتها تشكل عبئا ماليا يقع على كاهل المزارع.

وفي أواسط التسعينات أصيبت مزارع عديدة في دول الخليج والسعودية ومنطقة الإسماعيلية في مصر، وكان أول اكتشاف لهذه الحشرة في فلسطين التاريخية وعلى وجه التحديد في أرض المشروع الانشائي ، وفي احد المزارع في العوجا وذلك بفضل المصايد التي تم توزيعها في الأغوار حينذاك وذلك من خلال مشروع إقليمي تم بالتعاون مع شركة (نوفارتس )Novartis وكان ذلك  من احد الاسباب التي أدت الى الحد من انتشارها حينذاك .

لكن وفي السنوات الأخيرة أخذ الوضع يتفاقم وأصبح هناك خوف حقيقي على مزارع النخيل ،مع وجود آفة يجب الانتباه اليها ،  الا وهي مرض البيوض وهو مرض فطري (الفوزاريوم )اصاب مزارع النخيل في المغرب العربي ، وكاد أن يفتك وفتك فعلا بمساحات شاسعة من مزارع النخيل هناك مما أجبر المغرب  على إنشاء مختبر للأنسجة لتكثير الفساءل وتعويض الفاقد. 

لدينا في منطقة الأغوار العديد من بيوتات التعبئة يمتلكها ويديرها  اصحاب رؤوس الاموال كما ان هنالك بيوت تعبئة اخرى لصغار التجار منتشرة في المنطقة ، حيث يقومون بإبرام اتفاقيات ضمان مع مزارعين و يقومون  بالفرز الأولي في مزارعهم قبل إرسالها إلى بيوت التعبئة ، والأسلوب الآخر ألا وهو قيام المزارع بالاتفاق مع مقاول أو تاجر لجني المحصول (ضمان)لقاء مبلغ ورقم معلوم يتم الاتفاق عليه مسبقا ويقوم بدوره بتحرير شيكات لصاحب المزرعة وفي غالب الأحيان لا يعلم صاحب المزرعة إلى اَي بيت تعبئة تذهب بضاعته.

وفي هذا المقام يمكن القول  ان هنالك ايضا بيوت تعبئة غير مرخصة وتقع في مناطق( ج)  ليس للسلطة الفلسطينية ايه سيطرة عليها وهنا تكمن خطورة تسريب المنتج الاسرائيلي وتبييض هذه البضاعة . ولذلك على وزارة الزراعه والضابطة الجمركية ان تولي اهمية امر هذه البيوت  وتراقب نشاطها أكثر كونها محاذية لمزارع المستوطنات.

وهنا تجدر الاشارة الى ان شهادات المنشأ التي تصدر عن اللجنة المكلفة من قبل وزارة الزراعة  بتقدير كميات التمور في المزارع يجب أن تكون دقيقة إلى أقصى حد اذ يقع على كاهلها مراقبة الكميات تلك التي تورد  الى بيوت التعبئة من قبل المزارع ومواءمتها بالكميات المصرح بها لكي لا يكون هناك لبس في مصدرها.

وهنا نذكر انه جرى في الأسابيع القليلة الماضية  توجيه تهم بحق العديد من أصحاب بيوت التعبئة من قبل النائب العام الفلسطيني على انهم يبيضون تمور المستوطنات ويرسلونها للأسواق الخارجية على انها منتج فلسطيني،  وتم تداول هذه القضية عبر منصات التواصل الاجتماعي  وهذه ظاهرة اقل ما يقال انها غير صحية على الإطلاق.

ولا يسعني في هذا المقام  الا ان اجزم صادقا ان هذه التهم التي طالت أصحاب بيوت التعبئة سواء كانت صحيحة او لم تكن فسوف تؤثر سلبا على هذا القطاع الهام الذي يرفد الاقتصاد الفلسطيني ويزعزع الثقة بيننا وبين المستوردين في الخارج وخصوصا ان الحكومة التركية التي أعفت ما يقارب ٣٠٠٠ طن من الجمارك ومن المتوقع أنها سوف  تراجع حساباتها 

لذا كما كنت اود ان تحاط هذه المسألة بأقصى درجات السرية وعدم وصول نتائج التحقيق ومجرياتها الى وسائل الاعلام لان الموضوع في غاية الخطورة وسوف نشهد عما قريب تدني أسعار تمورنا الى الحد الأدنى وسوف يترتب على ذلك القضاء  على مزارع النخيل في الاغوار ، وحينها سيفرح المستوطنون في الأغوار بنجاحهم في تدمير اقتصادنا بأيدينا نظرا لسوء ادارتنا لهذا الملف .

فلا بأس هنا ان استشهد بمقولة (كمن جدع أنفه ليغيظ نفسه ).