• 9 تشرين الثاني 2021
  • حارات مقدسية

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام  

 

ان القدس مدينة من أَساطير وحكايا. وهناك تزاحمٌ حدّ الصراع على من يروي حكايته؛ وزحامٌ للزعم أنّ حكاية المكان هي حكاية طرف دون آخر. يُطرق باب الحكاية، فتنفتح عوالم من شغف الأساطير وحكاية اليوم 

مغارة الأرواح.. حكاية مخبأة أسفل المسجد الأقصى  ويطلق عليها قبة “بخخ بَخْتُ بَخْ باخَ“

و معنى بخ في قاموس اللغة العربية المعاصرة. اسم فعل للمدح والإعجاب والرِّضا بشيء، ويكرّر للمبالغة، وفي حالة الوصل تُكسر الخاءُ وتُنوّن فتقول: بَخٍ بَخٍ :-بَخْ بَخْ بأعمالك الحسنة، - بَخٍ بَخٍ بمالك الذي تصدقت به 

إذا دخلت قبة بخٍ بخٍ شمال غرب قبة الصخرة في المسجد الأقصى، وتأملت محرابها البديع ونوافذها الثمانية المضيئة، لن تتوقع أن مغارة بحجم غرفة القبة تقع أسفل قدميك أغلقت بإحكام بستة ألواح خشبية، يعلوها مكتب لجنة إعمار المسجد الأقصى، وستندهش كما دُهش الكثيرون من رواد الأقصى أن معلما أثريا محفورا بالصخر أسفل الأرض لا تعلم عنه شيئا تتوارى مغارة الأرواح أو بخٍ بخٍ عن أنظار المصلين، ولا تتوفر صورها وحتى ذكرها في الكتب شحيح مقتضب، كما أن لجنة إعمار المسجد الأقصى تغلقها أمام الجميع.

بنى العثمانيون قبة بخ بخ لنيل البركة من مكان عروج الرسول صلى الله عليه وسلم على بعد أمتار قليلة من قبة الصخرة-الأكبر مساحة بين قباب الأقصى- 
لا يُعرف تحديدا تاريخ حفر المغارة، لكن الثابت أنها سبقت بناء القبة التي أمر ببنائها والي القدس العثماني محمد بك عام 1700م /1112هـ المبنى فوق مساحة المغارة. وسمّيت القبة   بأسماء عدة منها:
الزاوية المحمدية  و(قبة بخ بخ) و(مصلى الخضر) و(مسجد النبي)   مكتب لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك و  مغارة الأرواح  و  تسمى
هي حكاية مخبأة أسفل المسجد الأقصى وتقع وسط المسجد الأقصى المبارك تحديداً تحت الصخرة المشرفة، وهي عبارة عن تجويف واسع ويُنزل إليها بدرج في جنوبي قبة الصخرة يوجد في تلك المغارة محرابين صغيرين أحدهما من بناء الأمويين والأخر من الفاطميين، قيلت فيها خرافات كثيرة منها أن جبريل عليه السلام خرق الصخرة بإصبعه فصنع هذا التجويف أما الصواب فهو أن هذا التجويف يعود إلى العصر الصليبي 

طريقة تأريخ المبنى

أرّخ المبنى استناداً إلى نص تأسيسي في أعلى المدخل كُتب بصياغة شعرية. ويتكوّن النص من خمسة أسطر، الأخير منها يقرأ "قلنا ادخلوها بسلام آمنين." ويضم النص تاريخاً صيغ حسب حساب الجُمل، وهو يعادل العام 1112/1701

يوجد نقش عبارة عن عدة أبيات شعرية فوق مدخل القبة يشير أحد الأبيات إلى تاريخ بناء القبة تبعًا لحساب الجمّل : "محمد له المنا تأريخها"  "قلنا ادخلوها بسلامٍ آمنين" . وقد اشتهر العصر العثماني بالتأريخ باستخدام الكلمات والأشعار والذي يعرف بحساب الجمّل (أبجد هوز) حيث إن الألف يساوي ١ والباء ٢ والكاف ٢٠، فبالتالي يكون مجموع أرقام الجملة "تأريخها فقلنا ادخلوها بسلام آمنين" (يساوي ١١١٢هجري/١٧٠٠م وهذه القبة أنشأها محافظ القدس العثماني محمد بيك واستخدمت كمدرسة ثم درس فيها قاضي الشافعية بالقدس الشيخ محمد الخليلي وأوقف عليها من أملاكه من أجل الإنفاق عليها عام ١١٣٩هحري/١٧٢٦م، فعرفت باسمه   

يبدو أن محمد بيك أمر  بحفر بئر في الصخر ثم بنى فوقه قبته، يمكن ملاحظة آثار لقصارة البئر، وبعد فترة من هجران البئر وجفافه تم وضع محراب داخل الغرفة واتخذت كخلوة سفلية للمتصوفين.

النزول إلى مغارة الأرواح يتم عبر فتحة تقود إلى 12 درجة حجرية من الجنوب إلى الشمال يحيط بيمينها "درابزين" أو قوائم من حديد صنعت يدويا من دون لِحام، تحتوي المغارة فقط على محراب عثماني في طرف جزئها الجنوبي، بالإضافة إلى كوّتين (فتحتين)، واحدة باتجاه الشمال وهي ظاهرة على السطح حتى اليوم، وأخرى جنوبية أغلقت بعد تبليط محيطه 

تتكون الزاوية من قسمين: الأول عبارة عن قبو مستطيل بُني تحت الأرض، ويضم صخرة طبيعية غير منتظمة الشكل؛ والقسم الثاني عبارة عن غرفة مستطيلة المسقط بُنيت على مستوى سطح الأرض، ويغطيها قبة ضحلة كبيرة تستند على أربعة عقود مدببة. ويبلغ طول الغرفة 8.10 م وعرضها 6.90 م. وتبلغ سماكة جدران المبنى حوالي 90 سم. تقع أرضية الغرفة على مستوى أرضية سطح قبة الصخرة، وفُرشت ببلاط حجري مصقول كبير الحجم، يبلغ حجم بعضه حوالي 44 سم × 1.44 سم. ومبنى الزاوية مستقل، له أربع واجهات ظاهرة غير محجوبة. وبُنيت جدرانه وواجهاته من الحجر الأبيض متنوع الحجم، يبلغ حجم بعض قطعه حوالي 30 سم × 20 سم.
الواجهة الشرقية هي واجهة المبنى الرئيسية، وتطل على قبة الصخرة المشرفة، ويبلغ طول هذه الواجهة 9.90 م وارتفاعها 4 م. فُتح في هذه الواجهة باب عرضه 94 سم وارتفاعه 1.83 سم يؤدّي إلى داخل الزاوية. ويعلو هذا الباب عتب حجري يقع على ارتفاع مدماك واحد منه لوحة كتابية تأسيسية ورد فيها تاريخ إعادة بناء الزاوية. وعلى ارتفاع أربعة مداميك حجرية من قمة هذه اللوحة، تنتهي مداميك الواجهة الشرقية وكذلك الواجهات الثلاثة الأخرى، بدون إطار أو كورنيش كما هو مألوف. تقع قبة المبنى الضحلة مباشرة فوق السطح، وغطي كل من القبة والسطح ببلاط حجري صغير، وتوّجت القبة بهلال حجري قصير
تتميز عمارة هذه الزاوية بالبساطة وقلة الزخرفة، وهي تعبير صادق عن عمارة القرن 12/18 التي سادت في مدينة القدس 

تكمن فرادة القبة وروحانيتها في عدم تغيّر ملامحها، فقد حفرت بكاملها بالصخر حتى غدت جدرانها وأرضيتها صخرية بالكامل. لكنها اليوم تعاني من الرطوبة لقلة التهوية والإضاءة وتسرب بعض الماء إليها من آبار المسجد المجاورة لها من الجهة الشمالية والشرقية. كما تقدر مساحة المغارة بمئة متر مربع بطول مختلف لعدم استواء زوايا المغارة يصل إلى ثلاثة أمتار في وسطها.

قبة الشيخ الخليلي" نسبة إلى العالم المتصوف ومفتي القدس في العهد العثماني محمد الخليلي الذي درّس في القبة وأوقف أملاكه عليها عام 1726، كما اتخذ مغارة الأرواح أسفلها خلوة ومعتكفا له، وقد كرست للشيخ محمد الخليلي، وهو عالم بالفقه توفي في عام  1734

 وكتب عنها مخطوطة بعنوان "كشف الظلام عن مقام النبي عليه السلام"، التي يعكف مركز ترميم المخطوطات في المسجد الأقصى على تحقيقها حاليا. تقع في صحن الصخرة إلى الشمال الغربي من قبة الصخرة الواقعة في قلب المسجد الأقصى.شمال غرب قبة الصخرة المشرفة وتفصل بينهما قبتا النبي والمعراج

ذكر الشيخ مصطفى البكري الصديقي في كتابه "النصيحة السنيّة" أنه زار الشيخ الخليلي في خلوته بقبة بخ بخ وصلى خلفه لما يتمتع به من جميل الصفات وحسن قراءة وتكميل في صلاته. وفي كتاب الصديقي الآخر "الخمرة الحسيّة في الرحلة القدسية"، قال "حدثني شيخنا محمد الخليلي أنه بلغ المرام بخلوته التي على يمين وشمال قبة المعراج".

الوالي الذي أعاد للقدس رونقها

واللافت أن كثيرا من الولاة العثمانيين للقدس أوقفوا الكثير من الأوقاف النافعة على الفقراء وطلبة العلم والفلاحين والصوفية في هذه المدينة المقدسة، وتأتي شخصية محمد باشا العثماني، وهو واحد من أطول من تولوا حكم القدس (أمير اللواء) من قبل العثمانيين، حيث استمر لمدة عشرين سنة كاملة (1023- 1043هـ/1614- 1633م) ويأتي على رأس هؤلاء الولاة أصحاب الأيادي البيضاء على مدينة القدس الشريف  واستخدمت كمدرسة ثم درس فيها قاضي الشافعية بالقدس الشيخ محمد الخليلي وأوقف عليها من أملاكه من أجل الإنفاق عليها عام ١١٣٩هحري/١٧٢٦م، فعرفت باسمه

يستنتج الباحث والدكتور  إبراهيم ربايعة في دراسته لهذه الوقفيات أنها لم تُخصص لفئة محددة من الطرق أو المذاهب المنتشرة آنذاك، فتارة توجّه لأرباب الطريقة الرفاعية، وتارة إلى أرباب الطريقة المولوية، وأخرى لمريدي الطريقة القادرية، وهذا يعني أنه لم يكن يتبع طريقة صوفية بعينها، بل إن موقفه من هذه الطرق كان نابعا من تدينه وزهده وحبّه في إضفاء الجو الروحاني على المسجد الأقصى وساكنيه، من خلال مساعدة الفئات القادمة من بلاد بعيدة 

مغارة الأرواح
هي حكاية مخبأة أسفل المسجد الأقصى وتقع وسط المسجد الأقصى المبارك تحديداً تحت الصخرة المشرفة، وهي عبارة عن تجويف واسع ويُنزل إليها بدرج في جنوبي قبة الصخرة
يوجد في تلك المغارة محرابين صغيرين أحدهما من بناء الأمويين والأخر من الفاطميين، قيلت فيها خرافات كثيرة منها أن جبريل عليه السلام خرق الصخرة بإصبعه فصنع هذا التجويف أما الصواب فهو أن هذا التجويف يعود إلى العصر الصليبي 
يعود أصل تسمية المغارة بهذا الاسم إلى رواية انتشرت بين المسلمين في القرون الوسطى، تدّعي أن الداخل إلى المغارة يستطيع سماع أصوات الأرواح المحبوسة في حجرة أخرى مزعومة أسفل الصخرة في انتظار يوم القيامة ، وهذه الرواية لا أصل لها في الكتاب والسنة
تكمن فرادة القبة وروحانيتها في عدم تغيّر ملامحها، فقد حفرت بكاملها بالصخر حتى غدت جدرانها وأرضيتها من الصخر

المراجع:

مراجع مختارة

كشف الظلام عن مقام النبي عليه الصلاة والسلام شمس الدين محمد بن محمد بن شرف الدين المقدسي الأزهري الشافعي الخليلي 24 ورقة (19 سطر)

1)كارين أرمسترونغ: القدس، مدينة واحدة عقائد ثلاث، ص525

2)بشير بركات: القدس الشريف في العهد العثماني، ص10-20

3)أحمد حسين عبد الجبوري: القدس في العهد العثماني، 1/171، 1723)

4)عارف العارف: المفصل في تاريخ القدس، ص266

5)بسام العسلي: القدس في التاريخ، ص243

6)إبراهيم ربايعة: وقفيات محمد باشا في القدس، ص192 و1936

7)إبراهيم ربايعة: السابق، ص216

- الحسيني، اسحق وأبو الليل، أمين. وثيقة مقدسية تاريخية. 8)القدس، 1983.
  .Natsheh, Y. “Al-Zawiyya  al-Muhammadiyya  (Masjid al-Nabi).” IN: Auld, S. and Hillenbrand, R. eds
.Ottoman Jerusalem, The Living City 1517-1917. London, 2000

Yusuf al-Natsheh "9)الزاوية المحمدية" ضمن إكتشف الفن الإسلامي. متحف بلا حدود، 2020. 

9)د.أحمد جميل عزم 

10)هيئة أشراف بيت المقدس 

11) الشيخ مصطفى البكري الصديقي في كتابه "النصيحة السنيّة"