• 8 أيلول 2022
  • حارات مقدسية

 

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

قرية النّبي صموئيل قرية صغيرة تقع على أعلى تله إلى الشّمال الغربيّ من مدينة القدس المحتلة. يسكن في القرية 250 فلسطينياً، سكانها معزولين عن القدس وعن بقية مناطق الضّفة الغربيّة بجدار الضمّ والتوسع الذي يطوّق القرية، وبواسطة مستوطنة رامات ألون والحديقة "القومية" المجاورة، التي منع السكان من دخولها. قبل احتلالها عام 1967 بلغت مساحة القرية 3,500 دونما، أما اليوم وبعد مصادرة أراضيها فإنها لا تملك سوى بضعة بيوت مكونة من الباطون والصفيح 

قرية النبي صموئيل تجذب العديد من السياح والزائرين، خاصة أنها تعتبر من أعلى تلال القدس، وتشرف على المدينة، وتعتبر مراقبة مشهد الغروب من التلة أمرا يأسر الأنفاس، فالواقف على أعلى التلة يؤخذ بالجو الهادئ، والمظهر الرائع لمدينة القدس، ونسيم الربيع العليل الذي يداعب وجهه. كما يضيف تاريخ القرية الغني ووجود القبر والمسجد فيها لمسة من القداسة على تلك التجربة. على الرغم من ذلك، فإن جمال القرية الخلاب، وتاريخها الغني، وموقعها الاستراتيجي، قد جعلها هدفا لسياسات الاستيطان الإسرائيلي

يعتقد أن القرية هي موقع قبر النّبي صموئيل عليه السّلام ومنه اكتسبت اسمها. ويعتبر موقع القبر في القرية مقاماً مُقدساً  منذ قرون طويلة. ويعود بناء مسجد النبي صموئيل إلى عام 1720في العام 1099 احتل الصليبيون القرية، وأطلقوا اسم "جبل البهجة" على تله القرية نظراً لأنها مكنتهم من مشاهدة مدينة القدس من بعيد لأول مرة. فيما بعد، قام صلاح الدين الأيوبي بتحرير القرية من أيدي الصليبيين، وحوّل القلعة البيزنطية إلى مسجد. وقد جعل الموقع الاستراتيجي للمسجد منه محطاً لأنظار الغزاة الذين سعوا للسيطرة عليها لكونه نقطة مشرفة على مدينة القدس

قامت سلطات الاحتلال بتحويل حوالي (3500 دونما) من أراضي قرية النبي صموئيل لما يعرف بـحديقة قومية"، في محاولة أخرى لتهويدها وتهجير أهلها واستثمار أراضيها، تستقطب "الحديقة القومية" زائرين وسائحين أجانب، وتقدم لهم شروحا خطية عن الموقع المقدس استنادا للرواية الصهيونية المزعومة، وتغيّب الرواية العربية والفلسطينية للمكان

دلت الحفريات الأثرية في قرية النبي صموئيل إلى أن تاريخ القرية يعود إلى العصور الحجرية من خلال الآثار المكتشفة، ومرّت القرية بأحداث تاريخية من خلال تعاقب عدة حضارات في منطقة الشرق من الكنعانيين والفرس واليونان والرومان والبيزنطيين الذين سيطروا على منطقة شرق البحر المتوسط في تلك الفترة ومنها مدينة القدس وشهدت المنطقة أيضاً الحملات الصليبية المتتالية، وعصر الدولة الإسلامية من العهد الأموي والعباسي 

حيث تم إنشاء مركز صناعي لإنتاج الفخار في قرية النبي صموئيل ومن خلال الحفريات الأثرية عثر على الكثير من الأواني الفخارية التي تعود إلى تلك الفترة ـ إلى العهد الأيوبي الذي نشبت فيه معركة حامية الوطيس بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي حرر مدينة القدس واستعادها من أيدي الصليبيين في معركة حطين عام 1187م ودخل إلى القرية و حول القلعة البيزنطية إلى مسجد عام 1720م وقام بتدمير الحصن والأسوار التي أنشأها الصليبيون في القرية ؛ حتى لا يعودوا إلى المكان .

إضافةً إلى العهد المملوكي الذي تمركز في منطقة بلاد الشام ومصر، وصولاً إلى العهد العثماني الذي بدأ في الوطن العربي بعد معركة مرج دابق شمال حلب في سوريا عام 1516م

حيث وقعت المنطقة العربية حينها تحت السيادة العثمانية ما يقارب الأربعة قرون اهتم العثمانيون بقرية النبي صموئيل باعتبارها إحدى قرى بيت المقدس لا سيما بالمسجد الموجود فوق المقام الذي عدّ وقفاً إسلامياً تابعاً للعثمانيين آنذاك، 

ومن الجهة الغربية لمقام ومسجد النبي صموئيل يوجد نبعة ماء يُطلق عليها نبعة حنة زوجة النبي صموئيل حيث كانت تغتسل بالنبعة  

 

مسجد النبي صموئيل

 بُني هذا المسجد على القبر والذي كان يُعتقد أنه للنبي صموئيل في القرن الثاني أو السادس عشر علي يد الظاهر بيبرس

المسجد هو بناء قديم يتألف من ثلاثة طوابق، ويقع القبر في الدور الأرضي. يوجد حول المسجد ساحات كبيرة فيها آبار وبعض شجر الزيتون. تعود كثير من الموجودات الأثرية في الموقع إلى الفترة الأيوبية والعصرين المملوكي والعثماني، وكشفت الحفريات فيها عن بعض الأثار التي تعود إلى فترات تاريخية مهمة مثل الهيلينستية والبيزنطية والإسلامية، والصليبية

يعتبر مسجد النبي صمويل من أحد المساجد العثمانية القديمة، وهو وقف إسلامي يضم مساحة واسعة من الأراضي الزراعية مقام على موقع استراتيجي يكشف القدس والساحل الفلسطيني بالكامل. وفي عام 1993، بنيت مدرسة يهودية دينية "يشيفاه" بالقرب من المسجد. وقامت ما تسمى الإدارة المدنية في شهر كانون الثاني 2015 بإغلاق البوابة الخارجية المؤدية إلى المسجد. وقد تعرض المسجد لسلسة من الاعتداءات منذ التسعينيات حتى الآن منها: حرق وتكسير ومنع رفع الأذان وخلع مكبرات الصوت وضرب المصلين من قبل المستوطنين، وإحاطة المسجد بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة، عدا عن إغلاق الطابق الثاني منه ومنع ترميم الطابق الثالث وإبقاؤه مهجورا. هذه الاعتداءات ما هي إلا وسيلة لتحقيق مساعي بلدية الاحتلال في طمس المعالم الفلسطينية الإسلامية وتحويل المسجد إلى مكان أثري وسياحي وحديقة وطنية.

بقي المسجد في مكانه في الدور الأرضي لكن السلطات الإسرائيلية سيطرت على المقام المتواجد في مغارة أسفل المسجد لتحوّله إلى كنيس من هو صموئيل؟ 

ذكر المؤرخ الطبري رواية تفيد بأن صموئيل 

“نبي الله جاء بعد يوشع عليه السلام، وقبل داوود عليه السلام، بعثه الله إلى بني إسرائيل بعد أن طغوا في الأرض، وهو أول الأنبياء العبرانيين بعد موسى وقد أُشير إلى قصته في القرآن الكريم في سورة البقرة حيث ظهر لبني إسرائيل في فلسطين عدو لهم يدعى “جالوت “ فأرسل الله لهم النبي صموئيل لكن قومه كذبوه وقالوا له :

 إن كنت صادقاً ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، فبعث الله لهم “طالوت” ملكاً حيث اصطفاه الله على غيره وزاده بسطة في العلم والجسد “

المسجد في القرية شبه مهجور بسبب الإجراءات الصهيونية المتشددة من خلال الاعتداء على المصلين من قبل المستوطنين وإحاطة المسجد بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة   في محاولة لطمس المعالم العربية الإسلامية التي تدل على أحقية الفلسطينيين في المنطقة والسعي إلى تحويل المسجد إلى مكان أثري وسياحي وحديقة قومية 

المقام في الطابق السفلي الذي يقع تحت المسجد يتخذه الصهاينة كنيساً لهم بذريعة مزاعم وجود النبي صموئيل، أما الطابق العلوي في المسجد فيفتح عند موعد الصلاة ويغلق مباشرةً خوفاً عليه من اعتداءات المستوطنين ، في عام 1995م أصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً بتحويل بعض دونمات من أراضي القرية إلى حديقة قومية في محاولة لتهويد القرية وتهجير أهلها واستثمار أراضيها لصالح الكيان الصهيوني، تستقطب الحديقة في الوقت الحاضر سائحين و زائرين أجانب وتقدم السلطات شروحاً خطية لهم عن الموقع استناداً إلى الرواية الصهيونية المزعومة وتغييب الرواية العربية الفلسطينية، وقد أعلنت السلطات الإسرائيلية مؤخراً عن رغبتها في توسيع الحديقة القومية مما يعني مزيداً من التهجير والتشريد والتهويد دون أي تحرك عربي واضح  .

تقام في المسجد صلوات   الظهر والعصر والمغرب ويوجد مؤذن  سادن  موظف لدى الأوقاف الإسلامية  يحافظ ويشرف على المسجد والمقام  

المراجع:

1)    د. اشتيه، محمد ، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، دار الجليل للنشر، عملن، 2011

2)   دليل قرية النبي صموئيل، معهد الأبحاث التطبيقية، 2012 .

  (  3 ـالولي، طه، المساجد في الإسلام، ط1، دار العلم ، 1988 .

  (4 الطبري، جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، ج .

(5    ط1، 1225هـ 5ـ الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثالث، ط1، فلسطين .

   (  6  القرآن الكريم

7)  الكاتبة  جومانة محمود الصّالح باحثة في التاريخ

8) اصدار هيئة اشراف بيت المقدس