- 26 أيلول 2023
- حارات مقدسية
بقلم : الشيخ مازن اهرام
قام عدد من الزائرين الأجانب بزيارة بعض زاويا بيت المقدس الصوفية في الأيام التي خلت وذلك من أجل نشر ثقافة لا تمت إلى السادة الصوفية في بيت المقدس بشيء فمدينة القدس هوائها صوفي مساجدها زواياها الخوانق والأربطة البيوت الحواري ومسميات الحارات تشرفت بساداتها الصوفية فليست بحاجة لتعريف
عندما يشرف الغريب إليها وكأنه يريد أن يكتشف مكنونها لابد من التوجيه الصحيح لعل الله يهدي قلبه ويشرح صدره ويوضح سبيله ليس بهمز أو طعناً لأحد بل مهرنا غالٍ لا يهون علينا والقول الفصل وكما يقال :( أن أهل مكة أدرى بشعابها)
وقد شملت تلك الزيارات شروحات وعروض ناهيك عن عدم احترام قدسية تلك الأماكن فالمساجد ودور العبادة بمثابة الركيزة الأولى واللبنة الأساسية في تكوين المجتمع المسلم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بعمارتها، وتطهيرها، وصيانتها، وإكرامها عن كل ما لا يليق بها ويناسب شرفها، لأن المساجد والزوايا ما بنيت إلا لذكر الله، ولإقامة الصلاة، ولتعليم الناس أمور دينهم، مع ما يحصل فيها من اجتماع الناس، وتآلف قلوبهم، مكانة وحرمة ودعا علماء الدين جموع المسلمين إلى أن يتقوا الله ويعرفوا ما للمساجد من مكانة وحرمة ليقوموا بحقها، فإنها بيوت الله ومهابط رحمته وملتقى ملائكته والصالحين من عباده، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه إضافة تشريف وإجلال، وتوعد من يمنع عباده من ذكره فيها أو يخربها أو يتسبب في خرابها بخزي في الدنيا وعذاب في الآخرة.
لقد جاءتْ شريعةُ الإسلام هدايةً للبَشَر، ورَحْمة بالخلْق، وصيانةً للأخْلاق، وسَعَتْ إلى إيجاد مجتمعٍ محافِظٍ طاهرٍ عفيفٍ، لا تُهاج فيه الشَّهَوات، ولا تُثار فيه النَّزَوات، فحِفْظًا للعِفَّة، وصيانة للكرامة؛ أَمَرَ ربُّ الخلْق أضْعَفَ الخلْقِ ألاَّ يَخْضعْنَ بالقول؛ فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ، وألاَّ يَتَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهلية الأولى، وأنْ يضْربْنَ بِخُمرهنَّ على جُيُوبهنَّ، ولا يُبْدينَ زينتهنَّ إلا لمحارمِهِنَّ.
دَنْدَنَ المدافعون على جواز الاختلاط: بأنَّ مفردة الاختلاط لَم توجدْ في الكتاب والسنة، وإنما انحدرتْ من أدبيات الخطاب الصحوي - كما يعبِّرون - وأن المُحَرَّمَ فقط هو الخلْوة دون الاختلاط.
بعض الأصوات والأقلام قد شرقتْ وغربت، فناقشت قضية الاختلاط بمثالية مُفرطة؛
يَخْتَلِفُ حُكْمُ اخْتِلاَطِ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَوْ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ. فَيَحْرُمُ الاِخْتِلاَطُ إِذَا كَانَ فِيهِ: عدم الاحتشام لقدسية بيوت الله وأنها ليست تلك البيوت والمساجد والزوايا متاحف أو دور عرض فإن قداسة تلك ا لبيوت هي بيوت الله والعبادة فيها لله وحده وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احداً
من أراد فهم التصوف الإسلامي بحق فيجب عليه أولاً أن يتخلص من سلسلة مفاهيم خاطئة وينحي سوء الفهم جانبا سواء بالشرق أو الغرب.
فما هو التصوف الإسلامي؟
الصوفية هي الطريق المثالي لكمال الذات روحيا وأخلاقيا، ومن ناحية أخرى يتم استنكارها لتحريفها التعاليم الإسلامية، وبسبب بعض التجاوزات الدخيلة المسمومة
يقول العالم الإسلامي التركي والباحث الصوفي محمود إرول كيليتش:
"الصوفية هي علم الآثار العميق للدين الإسلامي". ويسعى الصوفيون جاهدين لفهم جوهر التقاليد الإسلامية، واستيعابها وعيشها بنشاط. لهذا، يستخدم المتصوفون تشبيه حبة الجوز: فأشكال الطقوس الخارجية والوصايا الدينية تشبه القشرة التي تحمي نواة الجوز الموجودة في الداخل، لكن القشرة تستمد وجودها من وجود نواة الجوز. بمعنى آخر:
إذا تمسكتَ بالقشرة الخارجية ولم تصل إلى اللب الداخلي فسوف تخطئ الهدف.
يواجه المرء اليوم مرارًا وتكرارًا محاولة تصوير الصوفية على أنها منفصلة عن الإسلام. وقد ظهر هذا الاتجاه في العقود الأخيرة لأول مرة في الأبحاث الغربية، التي حاولت تفسير الصوفية كاقتباس من تقاليد روحانية أخرى. وحتى وإن كان هناك تبادل حيوي قد حدث بين تقاليد المتصوفة -على سبيل المثال في العصر الذهبي للأندلس- فإن هذا التفسير يعد قاصرا للغاية.
تقول الدكتورة سعاد الحكيم في كتاب "نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية" إن الوجود الصوفي بدأ بالظهور في مجتمعات الإسلام في مدينة البصرة في نهايات القرن الأول الهجري وبدايات القرن الثاني مع الحسن البصري (641-728م) ورابعة العدوية (718-801م).
وأكدت أن التصوف لم يستقل باعتباره علما إسلاميا له موضوعه ومصطلحه ومنهجه ونظامه المعرفي، إلا ببغداد في القرن الثالث الهجري مع الجنيد البغدادي (830-910م).
في حين يقول الدكتور العايدي إن "الناظر في مبادئ التصوف يجدها خرجت من رحم الدين، فمبادئ التصوف نظيفة لا غبار عليها".
الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام.
ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة رضي الله عنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.
نعم هنا لابد من التوضيح
نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام. بينما يرى المتصوفة من علماء الشريعة ضرورة التفرقة بين التصوف كعلم وتجربة دينية ومنهج إسلامي أصيل مبني على الكتاب والسنة، وبين ممارسات العامة الدخيلة عليه، فكما أن أخطاء المسلمين لا تنفي الإسلام، فكذلك أخطاء عوام الصوفية لا تنفي التصوف ولا تجعله بدعة.
قول زكريا الأنصاري: التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.
قول الشيخ أحمد زروق: التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله سبحانه وتعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول «علم التوحيد» لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان. وقال أيضا: وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين مرجع، كلها لصدق التوجه إلى الله، وإنما هي وجوه فيه.
قول الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.
قول أبو الحسن الشاذلي: التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية.
قول ابن عجيبة: التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة. ظهور التصوف كعلم
وشهدت الصوفية بعد جيل الجنيد قفزة جديدة مع الإمام الغزالي خاصة كتابه إحياء علوم الدين محاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوية، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية، ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي حافظوا على الجذور الإسلامية للتصوف بالتركيز على تعليم القرآن والحديث مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي،
من أبرز أقوال جبران خليل جبران التي تعبر عن عصرنا هذا:
"منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار"