• 11 آيار 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد 

 

في الأيام التي سبقت المواجهة الأخيرة في غزة، شهدنا انفراجا لافتا في المنطقة ترافق مع أخبار جيدة في مقياسنا، و لكنها بطبيعة الحال كانت على العكس في حسابات واشنطن وتل أبيب، فقد زار الرئيس الإيراني دمشق وفي زيارته معاني لا تخفى على أحد برمزيتها

 وبنتائجها على شتى الصعد بما فيها ما استشعره الجميع عن قرار المحور بوحدة الساحات، ثم زار الرياض مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان لمتابعة سياسات رئيسه بايدن، التي وصفها بأنها قائمة على دبلوماسية الردع، و ذلك لبحث ملفات المنطقة مع ولي العهد السعودي من السودان إلى اليمن و إيران و سورية، و لكن كان على رأس أولوياته الدبلوماسية الردعية إحياء التفاهمات الأمريكية السعودية الإسرائيلية السابقة بشأن التطبيع السعودي (الإسرائيلي) و لوضع الأشواك في طريق المصالحة الإيرانية السعودية التي رعتها الصين، وكان واضحا فشل جهوده و دبلوماسيته الرادعة مع ولي العهد الذي يزداد قوة كلما ابتعد عن واشنطن، هذا فيما اتخذ مجلس جامعة الدول العربية قرارا بعودة سورية إلى الجامعة في خطوة اعتذارية، و قد نرى الرئيس السوري قريبا في الرياض مشاركا في القمة العربية بعد ان تلقى دعوة رسمية من الملك سلمان حملها له وزير الخارجية السعودي.

تحتاج غزة ولا ريب لمصر و ثمة ضرورة لأن تحافظ على علاقاتها معها، فمصر الرئة التي تتنفس منها غزة بسبب دكتاتورية و ضرورات الجغرافية، و لكن مصر أيضا التي يتآكل دورها- لشديد الأسف في السودان و جنوبه و دار فور كما في ليبيا و منابع النيل الأزرق الأثيوبية، تحتاج بدورها إلى غزة، لا بل قد لا يكون لديها اليوم غير هذه الورقة التي تستطيع الإمساك ببعضها بما يسمح لها بتسويق دورها و إن نافستها على هذا الدور (بغاث الطير) من دول هامشية وثانوية كقطر وحقيبة سفيرها الشهرية.

فجر الثلاثاء كان قادة الجهاد الإسلامي في غزة يشعرون بالأمان و يقومون بتوديع عائلاتهم  ويوضبون حقائبهم استعدادا للسفر إلى مصر تلبية لدعوة مصرية لبحث شؤون التهدئة  وشروطها، و يفترض العقل السليم و البسيط أن المصريين قد نسقوا الأمر مع تل أبيب وأخذوا منها الضمانات حول سلامة الوفد، ولكن موفدي و قادة الجهاد وبعض أطفالهم غادروا القطاع إلى الحياة الأخرى شهداء بدل ان يغادروا إلى مصر مفاوضين، وهي حالة غير مفاجئة ، فلم يكن (الإسرائيليين) في يوم من الأيام يلتزمون بتعهداتهم، و لم يكن المصريون قبل ذلك قادرين على إلزام (الإسرائيليين) بتعهداتهم أو على معاقبتهم على خرقها، أما مؤمنوا غزة فلديهم الاستعداد الدائم لأن يلدغوا من ذات الجحر المرة تلو المرة.

كما في كل مرة فإن (الإسرائيلي) وبعد جريمته عاود الاتصال بالمصريين، طالبا منه السعي للتهدئة مقابل وعود لا تنفذ ثم لإيصال رسالة إلى قيادة حركة حماس في غزة تقول لهم فيها أنهم ليسوا بمستهدفين و أن الاستهداف هو لحركة الجهاد الإسلامي فقط، و حين نشرت تصريحات منسوبة لأحد وزراء حكومة نتنياهو يتهدد بها قيادة حماس، اضطر نتنياهو لردعه و إسكاته، فالطريقة (الإسرائيلية) القديمة لا زالت تتبع بالاستفراد بالمجموع القومي أو الوطني كل فريق على حدة.

في صيف 2020 كان (الإسرائيلي) يبحث عن اشتباك محدود لاعتبارات سياسية داخلية، فتم نشر بيان و خبر سرعان ما تم تداوله بسرعه مفاده إن اشتباكا قد حصل بين المقاومة اللبنانية و الجيش (الإسرائيلي) في مزارع شبعا و أن المقاومة قد أطلقت صاروخ من نوع كورنيت على دبابة (إسرائيلية) من نوع ميركافاه، و أخذت سحب الحرب تملأ السماء، و لكن المقاومة اللبنانية ردت ببيان مقتضب نزع كل صواعق التفجير إذ اكدت أن لا شيء مما ذكر قد حصل جملة و تفصيلا، و لكنها جاهزة للرد المزدوج على أي اعتداء (إسرائيلي و الصاع بصاعين)، فاضطرت (إسرائيل) لابتلاع بيانها الأول، فيما قال الشيخ نصر الله إن المقاومة تعرف تماما الهدف الإسرائيلي و أنها ستجعل من الإسرائيليين يقفون على (رجل و نص) .

هل يقف الإسرائيلي اليوم أيضا على (رجل و نص)؟، تفيد أخبارهم أن أكثر من 7000 مستوطن يهودي يعيشون في جدار غزة قد غادروا بيوتهم (التي اغتصبوها) إلى أماكن بعيدة وحتى في حال حصلت التهدئة وفق ما تريد حكومة الاحتلال فإن بعضهم فقط من سيعود إلى هناك، فيما يؤثر من تبقى منهم السلامة بالبقاء بعيدا عن غزة و صواريخها، هذا فيما قامت بلدية تل أبيب بفتح قرابة الثلاثمائة ملجأ تحسبا للقادم، الذي أصبحت الحكومة الإسرائيلية تستعجله، فتأخر الرد قد جعلها واقفة على (رجل و نصف)، فيما مطاراتها بعضها مغلق وبعضها يكاد يعمل وكذلك كثير من مشاريعها ومزارعها وسياحتها الوافدة.

عصر أمس الأربعاء توالت الردود من كل المقاومة لامن حركة الجهاد الإسلامي فحسب لتطال تل أبيب وجوارها و بيت شيمش قرب القدس، ليدخل ثلثي المجتمع اليهودي إلى الملاجئ، لا تزال الأمور في بداياتها، ومن الصعب قراءة نهاياتها، لكن لعل حالة الهدوء التي شابت المقاومة في البداية قد عبرت عن رؤيا أكثر مما عبرت عن عجز أو خوف، فهل سنرى مفاعيل نشطة من خارج فلسطين نصرة لمقاومتها؟ ربما، و ربما أن المقاومة في هذه الجولة لن تحتاج إلى مثل ذلك الإسناد، الذي بدأ سيبرانيا في تعطيل القبة الحديدية وقطع الكهرباء والاتصالات الهاتفية عن وسط وجنوب فلسطيننا المحتلة.

في غمرة هذه الأوضاع المعقدة و التي تشغل بال الجميع في فلسطين و الإقليم من حكومات و أحزاب و منظمات وسفارات وأفراد، تغيب رام الله عن المشهد و كأنها ليست طرفا في الاشتباك، إذ تكتفي باشغالها اليومية في الضفة و شيء من الاتصالات الدبلوماسية ، مانحة خصومها مادة إضافية لانتقادها، وتتخلى عن دورها تاركة الميدان واسعا ومفتوحا للمقاومة بفصائلها الرئيسة و تفرعاتها الصغيرة جاعلة منهم اللاعب الرئيسي