• 28 تشرين الثاني 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

تدور أحاديث مطولة ويتم تداول وجهات نظر عند القوى و الجهات الإقليمية ذات العلاقة بحرب تشرين الثانية عن مستقبل غزة بعد هذه الحرب، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا السلطة الفلسطينية التي تكاد تبتلع لسانها وتتلعثم ما بين تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بداية الحرب من انه مستعد للعودة لغزة وإدارتها إذا كان ذلك عبر مسار سياسي تفاوضي شامل يؤدي إلى حل الصراع وبين بعض أركان السلطة واحدهم وزير الإعلام الذي يقول أن لا شأن للسلطة و حتى للشرعية الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير بالصراع الدائر بين المقاومة الخارجة عن الشرعية وبين حكومة الاحتلال، 

وان السلطة الفلسطينية مستعدة لاستلام غزة بموجب المسار السياسي القديم (مسار اوسلو)، اما الاسرائيلي فهو عند هذه النقطة لا يمكن ان يقبل بدور للسلطة في غزة إذا كانت ستؤدي الى العودة عن الانقسام بين شطري ما تبقى من فلسطين، ثم انه قد اخذ مؤخرا بإجراءات اضعاف السلطة بالضفة الغربية وكأنه بصدد التحضير لمرحلة السلطة لا ما بعد الحرب و إنما ما بعد الرئيس عباس، ومن فضائل هذه الحرب على فلسطين وأهلها أن الاسرائيلي لم يعد يريد السلطة او  المقاومة، لم يعد يريد الفلسطيني مهما كان موقفه من الصراع.

مع كل الصمود الذي ابدته المقاومة والقدرة على إدارة المعركة والانتفاع بإمكانياتها ومصادرها المتواضعة قتاليا ولوجستيا باقتدار، و مع كل الفشل الاسرائيلي وسقوط اهداف الحرب المعلنة التي بدأت تقول بسحق المقاومة مره واحده للابد و بتحرير من تم أسرهم عنوة، لتنتهي للتفاوض مع من تريد سحقهم في عملية تفاوضية تبدو يد المقاومة هي اليد الطولى فيها واستطاعت قيادتها في غزة ولا زالت ان تتلاعب بأعصاب السياسيين الاسرائيليين اثناء التفاوض و أثناء الهدنة.

الغريب في أمر هؤلاء أن معظمهم ان لم يكن جميعهم يبدون وكأنهم يعيشون في زمان اخر او مكان اخر فالأفكار المتداولة الجدية منها أو تلك النمطية المستهلكة منذ زمن طويل تفترض أن لا دور لحركة حماس والمقاومة ولا مكان لهم في مستقبل غزة وفي عملية إدارتها.

أطلقت هذه الحرب رصاصة الرحمة و الموت على مرحلة أوسلو و نتائجها و على مبادرة السلام العربية 2002 و قصص حل الدولتين التي عاد و تذكرها أمس الأحد الرئيس الأمريكي، والبحث عن مسار سياسي تفاوضي، وأسقطت معها مجموعة من المعادلات، و ان كانت تلك المعادلات لا زالت قيد التداول و لكن مع نهاية الحرب سنرتاح من سماعها.

عند كتابة هذا المقال يكون قد تبقى للهدنة ساعات قليله لنعرف ان كانت الجهود التي يبذلها الوفد القطري الزائر الى تل ابيب قد نجحت في اطالة أمدها لبضعة ايام ام لا، والرغبة في تمديد الهدنة تشمل الرئيس بايدن و قد عبر عنها في كلمته قبل ايام موجها الشكر لأمير قطر و مشيدا بدوره وجهوده و التي و لا بد لها علاقة باستضافته لقيادات من حركة حماس وهي الضيافة التي قادت لجعله اللاعب الاول عربيا في هذه المرحلة الدقيقة متجاوزا الدور التاريخي القديم للقاهرة و الدور الجديد للرياض.

في يقيني أنه كان من المبكر جدا على المتحدثين عن مرحلة ما بعد الحرب أن يتحدثوا في هذا الوقت فالحرب لا زالت جارية برغم الهدنة ولا زالت طويلة وتحتاج الى جولات يحاول الاسرائيلي ان يسوق نصرا وهميا بأنه استطاع الدخول إلى غزة وانه دمر مبانيها وبناها التحتية وقتل مواطنها وهدم ودمر بعض إنفاقها ولكن يدرك العقل العادي غير المتخصص في العلوم العسكرية ان ذلك لا يمثل نصرا فالمقاومة لم تتوقف للحظة عن مناجزة دبابات و آلياته وجنوده الذين يتحصنون بها ولا يجرؤون على مغادرتها ولعل من مصلحة المقاومة أن يبقى جيش الاحتلال عالقا في أرض غزة، تحت رمايتها 

و يصطلي بنارها، قبل ايام قام مقاتلوا القسام بتسليم دفعة الأسرى في شوارع شمال غزة التي كان وزير الدفاع الاسرائيلي قد اكد على ان المقاومة قد فقدت السيطرة و عليها و لم تعد موجودة هناك.

لا زال طريق الحرب طويل، و لا زالت الأهداف كثيرة في ارصدة بنوكها من الجانبين، و لكن الأكيد أن أي تفكير في مرحلة ما بعد الحرب ستكون المقاومة حاضرة.