- 15 حزيران 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : تحسين يقين
تندرج ظاهرة نزع جيش الاحتلال لعلم فلسطين مؤخرا، في سياق رفض مكونات الهوية الفلسطينية، فمن الطبيعي أنها ككيان قلق يحتل بلادنا، وفي ظل عقيدة صهيونية، أن ترى أي رمز فلسطيني، حتى لو كانت لوحة شجرة زيتون، نقيضا لها.
ليس مهما من أطلق هذه العبارة "العربي الجيد هو العربي الميت"، المهم ان الاحتلال طول عمره يسعى لقتل فلسطين وشعبها، غزة الان مثال حقيقي على نزعة القتل لدى الاحتلال، ولكن ولأن الاحتلال عرف من زمن ان هناك صعوبة في تحقيق هدف التخلص منا، فقد سعى وما زال لقتل الهوية الفلسطينية لاستيعابنا عمالا لديه فقط.
المطلوب وفق وجهة النظر الاحتلالية من الفلسطيني أن يقتل فلسطين مقابل أن يسمح له بالحياة، والعمل في الورش والمصانع والمستوطنات.
ترى ما القراءة الجديدة؟
منذ اتفاق أوسلو، بدأ الاعتراف (الإسرائيلي) بالعلم الفلسطيني، كونه العلم الرسمي الذي اختارته منظمة التحرير التي وقعت معها اتفاق السلام، ولكن لم نكن نشعر فعلا أن الإسرائيليين يتقبلون العلم الفلسطيني، وليس هذا فقط، فإننا نلاحظ عدم رغبة الاحتلال برؤية أي رموز ثقافية تتعلق بالتراث الفلسطيني، كون ذلك من وجهة نظرهم يجعل الفلسطينيين شعبا، لا جماعات لا رابط له. لذلك فإن تغول اليمين المتطرف كشف ما بداخل المحتلين جميعا، باستثناءات قليلة لديه من العقلانية-لا الإنسانية- ما يدفعها للاقتناع بوجود حلّ، لأنه من المستحيل نفي فلسطين العربية.
إن تركيز نزع عناصر الهوية الوطنية من "مناطق ب وج" يعني هندسة نفسية اجتماعية اقتصادية سياسية لشعبنا خارج مراكز المدن الموصوفة بمناطق "أ". وليس هذا سرا، بل يتم التعبير عنه من خلال إجراءات الاحتلال، ومن خلال التصريحات الإعلامية.
عمل الاحتلال خلال 25 عاما، بشكل خاص، على تهجير أعداد مهمة من القرى إلى مراكز المدن، من خلال سياسة خنق التنقل، وفي الوقت الذي وجد فيه أبناء شعبا خاصة القرويين أنفسهم عمالا لدى مشغلين إسرائيليين، فقد تم ربط استصدار تصاريح العمل ببياض (الملف الأمني) للعامل وأسرته بل وأقربائه. وليس القصد من هذا (البياض) ضمان عدم مقاومة الاحتلال حتى بالوسائل السلمية، بل الاطمئنان لوجود العامل الفلسطيني منزوع الهوية والثقافة، لا لجعله محايدا فقط، بل لجعله مثال الفلسطيني الجيد (المرضي عنه)، الذي إن عاش في (حاله وباله) فسيسمح له بالبقاء عاملا، لا البقاء بالمعنى الوطني الإنساني الكريم.
إن التخطيط لنزع الهوية الفلسطينية من معظم أبناء شعبنا، يعني ان المجتمع العنصري الاستعماري يمكن قبولنا كعمال-عبيد، حتى لو زادت نسبة الفلسطينيين في فلسطين التاريخية جميعها، وهو يشبه استيعاب المجتمع الأمريكي للملونين والسود.
إننا مع خطر انقسام جديد، وهو الخطر الأكبر، لأنه ان نجح الاحتلال به، فسيتم تهشيم هويتنا. وفي ظل ازدياد ثقافة الخلاص الفردي، فإننا مدعوون للانتباه والحذر، من حيث الوعي على ما يتم هندستنا وبرمجتنا به، من خلال التعامل الذكي، بمعنى فهمنا للاشتراطات، ولكن، أن يتم استثمار أي تحسن اقتصادي لقطاع العمال، بالتوعية والثقافة، لهم ولأفراد أسرهم. وهنا تحضر أسلحة الثقافة والفن، كقوة ناعمة يصعب على المحتل التعامل معها.
إذا تأملنا بنى التربية والتعليم والثقافة والحكم المحلي والرياضة ووسائل الاتصال الجماهيري والسوشيال ميديا، فسنجد المجال متاحا للتربية على الهوية الوطنية بكافة عناصرها، التي تتعلق بخصوصية شعب عريق في مجالات عيشه، ومجالات التكوين والإبداع، ولعلنا نرى هناك تعاونا ما بين تلك القطاعات داخل مجلس الوزراء بشكل خاص، يقوم على فحص الممكنات والفرص، لنشر الثقافة والفنون الفلسطينية والعربية والعالمية، خاصة أن القرى تشكل فعلا حاضنة بمن فيها من طلبة مدارس وجامعات ومثقفين ونساء، من خلال رغبة القرويين في المشاركة في الأنشطة بل وتمويلها.
إننا ندعو الى المضي في تنفيذ تثقيف مجتمعنا، ولسنا بحاجة على تأكيد دور الثقافة والفن كمعززين للخصوصية الوطنية. كذلك فإن إيجاد هذا الفعل سيجمع الناس بدلا من تمضية الوقت فيما لا فائدة حقيقية منه.
إن الاهتمام بالمواطن المثقف من الأعمار المختلفة، سيجمع خبرات متنوعة، يكون له دور حقيقي في ضمان السلم الأهلي، ويحصّن الوطنية الفلسطينية في ظل تحديات الفعل الوطني.
لدى الحكومة ما تستثمره وتفعله وتبدعه من خلال الاهتمام بالثقافة عبر بنى الوزارات والمؤسسات ذات الصلة، في ظل وجود ساعات طويلة صيفا وشتاء يمكن ملء جزء منها من خلال الفعل الثقافي.
الهدف سام ووطني وواضح، والفضاءات متوفرة، وليس علينا سوى التنسيق، حيث ستتم الاستعانة بطلبة الجامعات والخريجين/ات والناشطين، من خلال اختيار ثقافة جامعة لا مفرقة، يتم فيها تعريف الناس-الشعب بالمنجزات الثقافية والتعرف على تفاصيل عناصر الهوية، ومنها التراث بأنواعه، كذلك تعريضه للثقافة العربية التي نحن جزء منها، والثقافة العالمية، كون الفلسطيني هو مواطنا في هذا العالم أيضا.
ليس المطلوب إنشاء مراكز، ولا توظيف، وتمويل، لأنه ذلك ليس ضمانا أصلا لفعل اختراق ثقافي، بل تلبية رغبات الشباب الذين فعلا يبحثون عن مجالات فعل تطوعية.
إن أردنا، وإن وعينا وصفت النوايا، تستطع كل محافظة تعرف أن مجال فعلها هو كافة سكان المحافظة في المدينة والقرى لا المدينة فقط، إلى البدء بفعل ثقافي له صفة الديمومة، يلبي حاجات أعمار مختلفة، وسيسهل تنفيذ ذلك في ظل سهولة التواصل والاتصال وتكنولوجيا المعلومات.
نتأمل مثلا الدعوة لمشاهدة فيلم مرة أو مرتين في الشهر، يتم اختياره للمشاهدة والنقاش، عبر استضافة إحدى الشخصيات الثقافية، سيكون له دور في التوعية والاستمتاع معا.
إن أردنا، وإن وعينا وصفت النوايا، فإن كل مدينة وقرية وبلدة تستطيع من تلقاء نفسها تنظيم فعاليات ثقافية مستمرة، ستنعكس آثارها على الوفاق الاجتماعي وتخفيف العزلة، والتعاون، وتقوية الأمل بالبقاء، كون الثقافة دليل حياة.
وحتى لا نحمل بعضنا مسؤولية خاصة، فبإمكاننا حملها معا، فنحقق استعادة الجمهور الذي سيربط ما بين الثقافة والفن والوجود، وهي استعادة وطنية ..