- 24 حزيران 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : كريستين حنا نصر
بعد تنفيذ الهجمات الأمريكية على أهم المنشآت النووية الايرانية ( فوردو ونطنز وأصفهان )، فإن السؤال المطروح هنا ، هو ما مستقبل البرنامج النووي الإيراني، وبشكل خاص اليورانيوم المخصب لديها؟ يأتي هذا التساؤل المشروع في إطار تضارب التصريحات الصادرة من طرفي النزاع، حيث صرحت إيران بعد الهجمات التي نفذتها الطائرات الامريكية على المواقع الثلاث، بأن إيران سوف تواصل نشاطها في تخصيب اليورانيوم، وأنها أيضاً وقبل الضربة عملت على نقل كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب الى أماكن ومواقع سرية غير معلن عنها، من جانبها أيضاً صرحت اسرائيل بأن الضربات الامريكية كانت ناجحة أسفرت عن تدمير كميات كبيرة تقدر بمئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب لدى ايران، واذا تمّ نقلها كما تزعم ايران فإن ذلك يكون على مستوى كميات قليلة.
وهنا أريد القول بأن هناك عدة سيناريوهات متوقعة فيما يخص الرد الايراني المتعلق بالملف النووي والصراعات والتوترات الجديدة القديمة مع امريكا واسرائيل، حيث تدرس ايران الرد من خلال عدة خيارات، أهمها الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي (فتح باب التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ في 5 آذار عام 1970، وفي 11 أيار عام 1995 تم تمديد المعاهدة إلى أجل غير مسمى) ، والذي سوف يزيد هذا الملف تعقيداً، اذ سيكون بمقدور ايران التخلص من قيود المعاهدة وسيكون بامكانها حينها تطوير برنامجها النووي، ومن المتوقع أن تتمكن بعد ذلك من الدخول في مرحلة الحصول على أسلحة نووية وتسليح نفسها برؤوس نووية من عدة دول كما صرح بذلك "دميتري ميدفيديف" والذي يشغل منصب رئيس مجلس الأمن الروسي .
ومن السيناريوهات المتوقعة أيضا، وربما الأكثر ضرراً وانعكاساً على المنطقة العربية والخليج، هي ضرب إيران ووكلائها المتواجدين في الشرق الأوسط مثل اليمن والعراق القواعد الامريكية المتواجدة في منطقة الخليج العربي، حيث أقدمت إيران أمس على ضرب قاعدة العديد الامريكية الموجودة في دولة قطر، كذلك امكانية التعرض للقواعد الامريكية الأخرى المتواجدة في سوريا وتحديداً منطقة شرق الفرات، والقواعد أيضاً في كل من الأردن والعراق والبحرين والسعودية، اضافة الى امكانية ضرب القواعد الامريكية المتواجدة في تركيا أيضاً، وبالتالي فاننا هنا سننتقل الى السيناريو الأكثر تعقيداً وخطورة في حال تفاقمت الأمور واتجهت نحو الأسوأ، وذلك باحتمالية الانخراط العسكري لبعض الدول في هذا الصراع لتجد المنطقة والعالم نفسها في حالة صراع اقليمي في منطقة الخليج العربي والمشرق العربي ككل.
خاصة أننا فعلاً أمام واقع قد تنفذ فيه ايران قرارها الذي تمّ التصديق عليه من البرلمان الايراني والمتمثل باغلاقها لمضيق هرمز، الواقع بين ايران وعُمان والذي يربط مياه خليج عُمان وبحر العرب ، حيث تمر من خلاله أغلبية الصادرات العالمية من النفط والغاز الى مختلف انحاء العالم، وهذه المخاطر الجيوسياسية التي تهدد هذه الممرات المائية الاستراتيجية، الى جانب امكانية توسع المواجهات واستغلال ايران حلفائها الاقليميين في المنطقة، مثل حركة أنصار الله الحوثي في اليمن، التي بامكانها اغلاق منافذ بحرية استراتيجية اخرى مهمة، مثل مضيق باب المندب وقد يشهد العالم مستقبلا ازمة منع حركة بعض السفن التجارية الدولية من المرور عبره، وبالتالي قد تتفاقم نيران المعارك المشتعلة وتتجه نحو ساحات أخرى قد تطال بعض حقول النفط المتواجدة في الخليج العربي ودول المشرق العربي أيضاً، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى ازدياد تكاليف فاتورة حماية هذه الحقول باعتبارها مصادر طاقة عالمية استراتيجية، وقد تعيق هذه التطورات وبشكل محتمل عملية تصدير النفط وحركة الملاحة في البحر الأحمر ، علماً بأن هناك منفذ آخر لدول الخليج بامكانها استخدامه وهو منفذ الشارقة لتفادي المخاطر المحدقة بمضيق هرمز، كل هذه التطورات والاحتمالات سوف تزيد من ارتفاع كلفة النقل البحري، كذلك زيادة كلفة التأمين البحري، نظراً لصلة ذلك بزيادة نسبة المخاطر الجيوسياسية المتزامنة مع الصراعات المندلعة والتي من شأنها التأثير على الممرات والمنافذ البحرية في المنطقة، وهذا حتماً سيؤثر بلا شك على الاسواق الاستثمارية الدولية اذا ما استمرت المواجهات وتفاقمت حدتها، اذ من غير المستبعد أن تدفع المستثمرين الاجانب نحو اتخاذ قرارهم بالحد أو تجميد استثماراتهم في المنطقة، خاصة ان تزايد واستمرار المواجهات والتطورات العسكرية سوف تلقي بظلالها على كافة القطاعات الاقتصادية الاخرى مثل التجارية، وهو ما سينعكس على ارتفاع اسعار السلع والتأثير السلبي على قطاع السياحة ، وسيكون عامل تقليص للايرادات وتصبح بذلك المنطقة وجهة غير آمنة للسياحة في الشرق العربي ومن ضمنه بلدان الخليج العربي ، واحتمالية اخرى بنقص الطلب على السفر عبر الشركات المحلية للطيران ، وربما تعديل مسار رحلات شركات الطيران العالمية نحو أجواء أخرى اكثر أماناً، وذلك بهدف تفاديها للمناطق المتوترة والملتهبة، وهذا بالمحصلة سوف يؤثر على المردود الاقتصادي المالي للدول المتأثرة اساساً في ميزانها الاقتصادي من هذه الأزمات العسكرية المشتعلة للأسف.
وبطبيعة الحال فإن لهذه الحرب بين اسرائيل وايران تأثير كبير على موارد ومصادر الطاقة خاصة الغاز الطبيعي ، إذا أغلقت اسرائيل اثنان من ثلاثة حقول للغاز في البحر الأبيض المتوسط، أي تقليص إمدادات الغاز الطبيعي للأسواق الدولية، وربما الاتجاه نحو الاعتماد على الفحم وزيت الوقود، وذلك كبديل اضطراري لتشغيل محطات الكهرباء لديها، حيث أن حقل (كاريش) يزود الدول الاوروبية بالغاز الطبيعي بدلاً من إمدادات الغاز والطاقة الروسية والتي توقفت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأردن تأثر من مسألة عدم تزويده بالغاز الاسرائيلي جراء الحرب الاسرائيلية مع إيران، فمن المعلوم أن الأردن يستورد الغاز الطبيعي من اسرائيل، جراء توقيع الأردن عام 2016م لاتفاقية الغاز مع اسرائيل عبر شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية التي كانت المشغل الرئيس لحقول " تمار" و" لفيتان" الإسرائيلية قبل أن تديرهما شركة شيفرون، حيث تعتمد شركة الكهرباء الاردنية على استيراد حوالي 300 مليون مكعب من الغاز بشكل يومي، وهذه الاتفاقية مدتها خمسة عشر عاماً.
ان كل هذه التطورات الجيوسياسية المتعلقة بالصراعات القائمة في المنطقة ، إلى جانب احتمالية تفاقمها بشكل دراماتيكي خاصة بعد ضرب القاعدة الامريكية في قطر أمس، تزيد من احتمالية استغلال حلفاء إيران في كل من العراق واليمن القيام بضرب قواعد ومصالح امريكية أخرى في الخليج العربي والشرق العربي ، بما في ذلك تلك المتواجدة في سوريا والأردن، وحتماً عندها يتفاقم الصراع بين امريكا واسرائيل مع ايران مؤثراً وبشكل سلبي على كامل الشرق الأوسط، والذي فرض على بلدانه خيار الأزمة والحرب دون وجود خيار آخر متاح لهم من عدمها، وهذا قد يقود في النهاية الى حرب اقليمية لا يُحمد عقباها، إذا لم يكن هناك استراتيجية فورية للسيطرة على الأمور ومنع انفلاتها باتجاه أكثر خطورة، ولا أعتقد أنه ومن الان فصاعداً توجد هناك أي نافذة متكاملة للتفاوض المفضي للسلام الكامل بين إيران وأمريكا، خاصة في مجال الملف النووي ، فالامور قد تتطور مجدداً نحو الخيارات العسكرية وعندها لن تكون هناك رجعة للتفاوض.