- 5 تموز 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : تحسين يقين
في الصف، كنا نتحمل أحد الطلبة المتنمرين، لكنه حين كان يبالغ في تنمره، كنا نتضامن معا، فيضطر الى تغيير سلوكه، وقد نجحنا، حتى لا ينفرد بأي طال على حده.
في التقسيم التقليدي للحكم، هناك فئة الشعب وفئة الحكومة المتنفذة القوية، وفئة الفلاسفة الحكماء، وقد كان الجدل فيمن يحكم هؤلاء الفئات. وفي العلاقات الدولية، تحضر القوة كما تحضر الحكمة أيضا، لكن فيما نعيشه اليوم هنا، فقد حضرت القوة بغطرسة وغرور مبالغ فيه. ترى من بقي؟ بقينا نحن الطلاب، وتغير سلوك الطلبة المتنمرين، وفي الدول انتهى المستبدون وجاء غيرهم ولكن بشكل أقل، وفي العالم غابت الدول الكبرى الظالمة، ولكن للأسف جاءت أخرى متفاوتة في ظلمها والقليل منها نجا من الظلم، وتلك سنة الحياة، فليست حياة البشر ملائكية.
قتل الاحتلال عشرات الآلاف، وجرح عشرات آلاف أخرى وصلت ربما إلى مئات آلاف، بسبب ما أصاب الأجساد والنفوس من أذى، ودمّر البيوت والأشجار، أما نسبة الأرض القابلة للزراعة، فقد هبطت الى 4% من تراب غزة الخصب.
على بعد كيلو مترات من حدود فلسطين، وإلى آلاف الكيلومترات من بلادنا، فقد تعرضت ملايين البشر للإصابة والأذى، فكل إنسان شاهد المجرة شعر بأنه أصيب، وتعرض للأذى؛ فالألم الذي تعرض له أهل غزة أصابهم، وسيطول صوت المتفجرات وتطول رائحتها، ولن يكون هناك شعور بالأمن والأمان، فالعالم-القرية الصغيرة، يجد نفسه معرضا لذلك في يوم قادم، وذلك هو عمق الالتزام الوجودي الذي تجلى في الفلسفات والأديان.
وهكذا ما الذي يمكن به أن نخاطب دولة الاحتلال مدعومة بالمتنفذين في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل هناك مجال للتساؤل عن تدخل الدولة الكبرى في الحروب علينا، وهذه السلاح الطني (نسبة إلى الطن) هو هبة منها لحليفتها الشريرة؟
واكب تاريخ الاتفاقيات الدولية المكتوبة والتي كانت عرفا سائدا قبل ذلك، التاريخ الإنساني العام خاصة في الحروب، ولعل المستخلص كان هو: ان الحروب تحدث وستظل تحدث، ولكن ينبغي عزل المدنيين قدر الإمكان عن النزاع/الصراع بين الحكومات والجيوش. صحيح أنه كان هناك تفاوت في التزام الدول، لكن ذلك شكل أداة كابحة للشرّ والاستبداد والمبالغة في القتل والتدمير. لكن تاريخ التكنولوجيا والعلم تطور، وصار حصد أرواح البشر يتم بفترة زمنية قليلة؛ فقد كان الأمل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ألا يتم اللجوء لأسلحة الدمار بعد مأساة هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، بعد إطلاق حكومة الولايات المتحدة القنبلتين الذريتين عليهما.
لم يكن ذلك الفعل الأمريكي سلوك فرسان أبدا، كذلك ما تفعله دولة الاحتلال الأكثر قربا لها اليوم في فلسطين. إذن عن أي علاقات دولية نتحدث!
منطق الحضارة وجوهرها يكمن في الأخلاق وليس في التكنولوجيا، ومنطقها المتطور صار يؤمن بحل الصراعات بعيدا عن العنف، خاصة فيما يخص حقوق البشر في تقرير مصائرها، وعدم الاعتداء، أما إذا كان محرك الحروب هو المصالح، فإن تحققها يمكن بدون حروب، فاليوم الكل ينتج ويصنع ويزرع، وهناك وفرة لا ندرة، إلا إذا كانت هناك نفوس ترفض التطور الإنساني، فتصوب السلاح نحو من يطلبون الطحين للبقاء على قيد الحياة، فيتم قتل المئات منهم بدون أن تصحو الضمائر.
هل كان هناك أي مبرر-حاجة لإيذاء المدنيين في قطاع غزة في سياق حرب الاحتلال على المسلحين؟ وما مدى هذه الحاجة؟ وهل حل أي مشكلة تظهر يكون بزرع مشاكل جديدة ستنمو تحت التراب لتنبت يوما قادما؟ وهل فعل "تمسح" الاحتلال، وغابت عنه الحكمة؟ هل فعلا وصل الغرور الى درجة عدم النظر للمستقبل بسبب الإيمان بديمومة التفوق العسكري؟
لا إجابات لدى الاحتلال وحلفائه؛ فقد اختاروا التخلص من العقول والقلوب!
إذن فإن الحرب تدور بين شعب وشعوب تنشد الحرية والأمن والسيطرة على ثرواتها، وبين "زعران، يريدون العالم مزارع منتجة لهم، حتى لو سالت الدماء؟
• العرب والأشقاء والجيران؟
• ..............
لا أظن لا الشعوب ولا الحكومات تشعر بأريحية، وكيف تشعر وهي ترى أنها مهددة، يتم فرض الأوامر عليها، فالمفارقة الغريبة والمدهشة التي يعيشها أبناء العروبة، أنهم في ظل تجنب الحرب عليهم، فإن الحرب واقعة عليهم، وأنهم يموتون خوفا، وارتباكا وقهرا. والظن، أنه آن الأوان لقول لا!
(لا) العربية وغيرها مع تحمل مسؤولية العقاب خير من نعم بثواب كله وهم. الشعوب والحكومات على مضض ينتظرون الفرج، والحكومات تريد شرعنة الوجود من خلال حماية مستقبل الشعوب وثرواتها. وهكذا فإن الوعي يمكن أن يشكل توحيدا للخائفين، لتصير (لا) الصغيرة كبيرة.
• الولايات المتحدة؟
• ..............!
آن الأوان كي يصحو شعب الولايات المتحدة ليقف أمام من يقتل باسمه، وأن يتخلص من زهده بالسياسة الخارجية لبلاده، بل وأن يتخلص هو نفسه من الاستلاب الذي يتعرض له من النظام الرأسمالي المتحكم، فمثل هذه النظام يؤذي أول ما يؤذي أهله. لكن ذلك سيحتاج ربما لوقت طويل.
• والنظام الدولي؟
• سيصعب عليه هكذا بسهولة استيعاب هكذا حال؛ فشعوبه المتعلمة المتحضرة والمثقفة التي تشهد انتهاكات الاحتلال للحق بالحياة، سيجد نفسه في وضع جديد فيما يخص علاقات دوله مع دولة الاحتلال الإسرائيلية.
لقد تعقدت الأمور عربيا ودوليا، ولا أظن الوضع في الدولة المحتلة إلا معقدا؛ إذ كيف يطلب ساستها تطبيع العلاقات مع العالم العربي وهي تذبح شعبا عربيا ينتمي له؟ وكيف ستظل العلاقة مع دول العالم وشعوبه عادية، وهي تفعل أفعالا غير عادية، تخرجها من المكان والزمان؟
لا حكمة ولا شعور إنساني لدى ساسة الاحتلال، وهكذا فبدلا من تحقيق هدف الأمن والأمان، فقد تم زرع اللاأمن واللاأمان. وليس هذا فحسب، فالعزلة قادمة لا ريب، والأصعب هو الشعور بالكراهية رغم المجاملة الدبلوماسية أو دبلوماسية الضعفاء.
فعل الاحتلال السوء والشرور، فبدلا من لا تقتل، فإنه قتل وشجع عليه. وبدلا من ترك مساحة لاستئناف الحياة على أمل الاستسلام، فإن تحقيق السلام هنا صار بمساحة ما تبقى من أرض صالحة للزراعة في غزة. أي نسبة الأمل تدنت الى 4%. أليس هذا فعلته تكنولوجيا القتل والتدمير المنفلتة من القلب والعقل! بعد الانتهاء من مقالي هذا، قرأت مقالا في جريدة هآرتس في آخر الأسبوع، بعنوان "تخوفات في الدول المجاورة من سيطرة إسرائيل". ما الذي يمكن إضافته والاختتام به؟
لا مجال أبدا للمقارنة بين حال الشعوب العربية هنا القريبة والبعيدة والحكومات، وبين حال تلك الحكومات ودولة الاحتلال. لماذا نقول هذا؟ لأن الاحتلال يعيش ويطول عمره على تخويف الحكومات من شعوبها، أليس كذلك؟ إذا فإذا كان هناك مسافة بين الشعوب والحكومات فهي لا تصل حدّ التناقض والصراع، رغم وجود المعارضة السياسية، لكن المسافة بعيدة بين الشعوب والحكومات العربية على سواء ودولة الاحتلال، لذلك هناك جهات الكترونية وغيرها تزيد يوميا الفتنة داخل الدول العربية، خاصة بين الشعوب والحكومات، لأجل دفع الحكومات للخوف من ثورة شعوبها واللجوء الى الاحتلال والاستعمار، لكن ذلك أصلا مكشوف.
الخلاصة أنه لا الأفراد ولا الجماعات ولا الدول تقبل بسيطرة أحد مهما كان فردا أو دولة، فكيف إذا كانت دولة احتلال تمارس جرائم الحرب علنا ضد شعبنا الفلسطيني ينتمي للأمتين العربية والإسلامية والعالم؟
لا مجال لاستمرار سيطرة دولة الاحتلال، فليست مقبولة فعلا من الشعوب ولا من الدول. لذلك ستقطف دولة الاحتلال ما تزرعه، وآن الأوان أن...تقطف إلا إذا حدثت معجزة الصحو المتأخر للبشر هنا إن شعروا بالفعل أنهم بشر. لكن ربما انتهت المعجزات!