• 30 كانون أول 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : المحامي حسن عبادي

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ 

 تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.

أواكب حرائر الدامون وأصغي لآلامهن وآمالهن وأحلامهن بالحريّة، وأدوّن بعضاً من معاناتهن.

أتصل من بوابة الدامون مباشرة بأهالي من تم قمعهن والاعتداء عليهن، وبعدها بأهالي من التقيتهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات؛  

حاولت إيصال أوجاعهن وآلامهن وآمالهن لكلّ حدب وصوب عبر "التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين" وناشطين أوروبيين، بعيداً عن الشجب والاستنكار وتحميل المسؤولية المؤسّساتي المقيت؛

وزادت قناعتي أن صمتنا عارُنا.

عقّبت راية المجد (والدة الأسيرة إباء): "فرج الله الكرب، وردّ أسرانا عاجلا غير آجل. كل يوم الصبح أول ما بفتح الفيس بشوف صفحة الأستاذ حسن عبادي حتى أطمن على البنات وعلى بنتي الله يجزيه الخير ويبارك فيه".

وعقّبت الأسيرة المحرّرة شروق شرف: "للأسف الوضع السيئ كماتو متل ما كان ما في اشي تحسن... يا الله. ربنا يعينهم ... حتى الصابونة الوحدة صغيرة كتير وما بتكفي لوحدة مش لتمنية... وفراشي الشعر ست شهور واحنا نطالب فيهم بالآخر حكوا لنا ما في... البنات كانوا يمشطوا بالشوكة البلاستيك... والفورة كنا نطلع ٣٢ بنت (عدد الأسيرات كان بتجاوز ال ٨٥ ) ويا دوب نلحق نوصل الحمام... تمنيت يكون في اشي تغير للأحسن بما إنو السجن قائم... الله يفرجها يا رب ويهونها عليهم وعلى كل الأسرى... الله يجزيك الخير ويجعله في ميزان حسناتك... لولا زياراتك المتتالية كان العالم مغيب عن وضع الأسيرات المأساوي... حسبنا الله ونعم الوكيل".

وعقبت فاطمة جوهر: "لا حول ولا قوة إلا بالله لا أدري ابنة السبعة عشر عاما طالبة في المدرسة وسنة نهائية ماذا عساها صنعت أو بماذا أقلقت أمنهم حتى يعتقلوها هي واللاتي بمثل سنها أو حتى جميع الأسيرات ماذا عساهن أقضضن مضاجعهم حسبنا الله ونعم الوكيل. إنهم إرهابيون مارقون عجّزوا الأنبياء ويدّعون الديمقراطية ولكن (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) صبرا أهل الأسرى والأسيرات إن الله لا يضيع مثقال ذرة، سيقتصّ من الشاة القرناء للشاة الجلحاء فما بالك بتعذيب القوارير؟ إن فرج الله آت لا محالة ونحن نؤمن بوعد الله سبحانه وتعالى، وأما العمود الفقري والداعم للأهالي وأكبادهم الأستاذ عبادي له كل الإكبار والتحيات وجزاه الله خيري الدنيا والآخرة".

وعقّب الصديق أحمد غازي بشتاوي: "بارك الله فيك وجهودك المثمرة مشكورة على ما تبذله من جهود جبارة ومضنية جزاك الله عني خير الجزاء أخي الحبيب صديقي الجميل أستاذنا المبجل حسن عبادي".

وعقّبت أم عبد الله السيد (زوجة الأسير عباس السيّد): "أستاذي الفاضل لك منا كل احترام وتقدير وحق علينا أن نذكرك ونذكر مواقفك النبيلة مع أسرانا وأسيراتنا، فأنت من خلال زيارتك يرى الأسرى عائلاتهم ويعيشون أجمل اللحظات وكأنه تم الإفراج عنهم بوركت وجزاك الله عن الأهالي وعن الأسرى خير الجزاء، وخاصة بدون مقابل تبتغى بذلك العمل وجهه الله تعالى ربنا يتقبل منك ويحفظك ويحماك الله".

وعقّب الصديق سامح سمحة: "الأسر هو ليس فقط حرمان وألم وفراق، هو نفق مظلم فيه البرد والوحشة. لكن مع كل هذه المشاعر وجودك أخي حسن يمثل للأسير دفء كان مفقود وطمأنينة كانت غير موجودة وضوء أضاء عتمة الزنزانة ونقلت مشاعر جياشة كانت موؤدة. فأنت اصبحت بالنسبة لهم جسرا يحوّل ألمهم الى أمل ويحوّل فراقهم الى لقاء مع من يحبوا من خلالك أخي الحبيب حسن دمت مشعلا للحرية ودمت بألف خير".

وعقّبت وفاء عازم: "جزاك الله خيراً استاز، الحقيقة ما تنشره عن الاسرى رائع واني أجد في كتاباتك شعور بأن الاسرى بيننا وأنك تشعرنا بمأساتهم الحقيقية وأنك انت النافذة التي يطل منها الاسري علينا ومتنفسهم ربنا يكتبلهم الفرج جميعا ويخفف عنهم ثقل ايام اسجن".

"الوضع بِخزي

زرت صباح الثلاثاء 02.09.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة هناء هيثم إسماعيل حماد (مواليد 07.02.2008) من العروب/ الخليل، طالبة الصف الحادي عشر علمي، مدرسة العروب الثانوية للبنات، تقبع خلف القضبان منذ 09.06.2025.

بطريقي للدامون وصلتني رنقيّة من والدتها: "أمانة مشتاقلها. تقدر تصوّرها أشوفها؟ نسيت ملامحها".

بعد التحيّة مباشرة صدمتني هناء قائلة: "الوضع بِخزي"!

هناء في غرفة 6 برفقة القاصر سالي صدقة. وصلت الدامون أسير جديدة، هالة زيادة، وصرنا 49 أسيرة. العدد بزيد وكميّة الأكل نفسها، ما بتتغيّر. غيار واحد فقطّ للأسيرة. هناك غرف فيها 8 صبايا وكنصهن بناموا ع الأرض. بالفورة أكثر من 20 بنت وما بنلحق نتحمّم. بس دشّ وعالماشي.

الغرفة مع رطوبة، عفن ع الحيطان. ما بفتحوا الأبوان نتهوّى وما بنشوف الشمس. الميّة بالغرف بيضا بيضا وغير صالحة للشرب. لكل غرفتين قنينتين ميّة وما بتكفي.

صابون واحدة لثماني بنات! وفش دوا غسيل.

فش أمشاط. هناك بنات 9 أشهر ما مشّطن شعرهن.

معاملة السجانين كثير وسخة، زادوا قمعات وصياح وصراخ كل الوقت.

سلّم على إمي، كثير اشتقت لها، وكل يوم هي ببالي. تقلقش عليّ، معنوياتي كثير عالية. كل أسبوع بنحفظ سورة ويوم الجمعة بنسمّعها. ملتزمة بالحفظ والصلاة.

سلّم على أبوي، وخيّاتي عائشة وتالا (إن شاللة بس أطلع بنطشّ وبنغيّر جو)، وأخوي صدقي (كان نفسي أكون موجودة ونحتفل مع بعض، أنت سندهن) وبارك لخالي بولادة البنت. إن شالله بطلع قبل الدوام وبجيب معدّل عالي بالتوجيهي.

طلبت إيصال الصبايا؛ سالي، تسنيم، كرمل، سماح، ماسة، دلال، منى، لينا وزوز، لينا مسك، أسيل حماد، إيمان الشوامرة، شاتيلا، ميرفت سرحان/ غزة، أم خليل/ غزة، أية خطيب/ عقل.

فكرك الأستاذ محمد رايح يمشي معي بدورة الإنجليزي بس أطلع؟

بين الزيارتين كبرت البنّوتة.

"الأكل بنحِّفْ

بعد لقائي بهناء، التقيت ثانيةً بالأسيرة انتصار طالب جبر عواودة (مواليد 07.10.1973) من قرية كرمة/ دورا/ الخليل، دكتوراه إدارة تربوية/ الجامعة الأردنية/ عمان، محاضرة في جامعة الخليل، تقبع في زنازين الاحتلال منذ 13.05.2025، ضحيّة بوستات فيس، لا أكثر ولا أقل. 

صُدِمت حين بلّغتها طلب النيابة. عقّبت قائلة بعفويّة "ولّ شو أنا عاملة!". خلّي أخوي ينتبه للمزراب فوق غرفة النوم، بسكّر من ورث الدوالي وبعمل رطوبة.

وصّلتها رسالة الأهالي وآسة (ابنة أخيها) فابتسمت وقالت: اسمها منّي. من وحي قصيدة إبراهيم العرب: 

"قد أظهر الطاووس إعجابه

واختال بين الورد والآسِ

يفتتن الناظر من شكله

يحسن ريش الذيل والراس"

ونصحتها بقراءة كتاب "جنون المنطق" لرامي عنبوسي الموجود على طاولتها.

اشتقت للكل، وبدعيلهم بصلاتي، دعوات صلوات الأسير مستجابة.

نزلت 11 كيلو، الأكل بنحّف. الخل بكثرة وتركيبة الطعام غريبة عجيبة.

انتصار بغرفة 7 برفقة ولاء طنجي وأماني نجار (بدها زيارة هيئة، شهرين ونص ما زاروها).

طلبت إيصال سلامات ولاء، فاطمة جسراوي، عائشة عساف (بدها تفاصيل عن ولادها. أبوهم/ زوجها كمان أسير)، شيرين الحمامرة، لينا المحتسب (بتعايد على بنتها وأختها).

الوضع في الدامون يزداد سوءاً.

عدد المصاحف بالقطّارة. قماش البلوزة حار جداً (مطّاطي، مثل الكاوتشوك).

حدّثتني عن ابتكار داموني جديد؛ اليانس مهترئ وبحاجة لترميم، وما في خيطان وإبر. عملت إحدى الأسيرات ما يشبه المسلّة، واستلت خيطان كيلوت هريان ورقّعت اليانس. ولكن لسوء الحظ انتبهت السجانة لهذا الابتكار وفي إحدى القمعات صادروا "الخيطان" المبتكرة والمسلّة.

لكما عزيزتيَّ هناء وانتصار أحلى التحيّات، والحريّة لجميع أسرى الحريّة. 

حيفا أيلول 2025