- 24 تشرين أول 2012
- وجوه مقدسية
ولد موسى كاظم الحسيني في القدس عام 1853. والده هو سليم الحسيني وكانوا يسمون بيته بالدار الكبيرة لكثرة الوفود والضيوف وفي بهو الدار الكبيرة كانت تعقد الاحتماعات الكبرى والهامة قال المحامي والصحفي عبد الوهاب العاني (بغداد) :-(.... كان موسى كاظم من أبرز رجالات القدس كان يجتمع الى رجالات القدس والى المناضلين والكتاب ورجال الفكر وكان كلما وفد الى مدينة القدس العاصمة رجل من رجالات العرب وزعمائهم واحرارهم يأتي منزل موسى كاظم باشا الحسيني ) .
انهى موسى كاظم الحسيني دراسته في القدس قبل ان يرحل الى الاستانة لمتابعة تحصيله العملي في المدرسة السلطانية في معهد الادارة الذي تاسس عام 1876 م الذي يخرج الطلبة لاشغال المناصب الادارية وهي دراسة عالية اكاديمية انذاك
تزوج من رقيه بنت مصطفى هلال الحسيني التي استضافت في اواخر العشرينات من القرن الماضي عام 1929 اجتماعات اول مؤتمر نسائي عربي يعقد في القدس وفي بيتها ورعاية ايضا الفلسطينية حرم عوني عبد الهادي وغيرهن
نظراً لمكانة موسى كاظم الحسيني المرموقة واحترام وتكريم العثمانيين لهذه العائلة واحتراماتها لسادات العرب، فقد شغل عدة مناصب سياسية ودينية وإدارية في العديد من أقطار ومدن الدولة العثمانية، منها في اليمن وفي لواء المنتفك في العراق، ثم في نجد والحجاز، وفي اسطنبول، كما شغل منصب رئيس بلدية مدينة القدس، كما كان يتقن اللغات التركية والفرنسية وغيرها وكما قال المؤرخ عجاج نويهض ( استمر الشيخ موسى كاظم الحسيني ينتقل بين الوظائف الحكومية نحو خمسة وثلاثين عاماً ) .وعين قائما على صفدوعجلون ثم متصرفاً مسؤولاً في الأناضول وشرقي الأردن ونجدوعسير تولى عام 1918 رئاسة بلدية القدس، وقاد مظاهرات عام 1920 تطالب بانضمام فلسطين إلى سوريا ومحاربة الهجرة اليهودية. انتخبه المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث عام 1920 رئيسا للجنة التنفيذية العربية وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته
في 4 نيسان عام 1920 كان أهل فلسطين يحتفلون ويحيون ما يسمى بـ "موسم النبي موسى" وهذا "تقليد" سار عليه أبناء فلسطين منذ استحداثه في زمن الأيوبيين بعد تحرير فلسطين في 27/رجب 583هـ الموافق 2/10/1187م، كان الانكليز آنذاك قد مكنوا عدداً من الصهاينة بخزن السلاح وحمله واستعمالة وبينما كان أهل فلسطين في تجمع شعبي حاشد كبير في هذه "المناسبة" ويستمعون الى خطبة قائدهم الشيخ موسى كاظم الحسيني وإذا بدوي إطلاقات الرصاص أطلقها بعض عصابات الصهاينة على مسمع من الانكليز وشرطتهم وإدارتهم، رغم هذا الظلم الصارخ فقد استدعى الحاكم العسكري البريطاني الزعيم الشعبي الفلسطيني موسى كاظم الحسيني بصفته زعيم البلاد وقائد الأمة ورئيس بلدية القدس أبلغه المسؤول العسكري البريطاني بأنه يحمل مسؤولية ما حدث على العرب .... بل وعلى شخص موسى الحسيني، المتهم بتحريض الشعب على التمرد والثورة والمقاومة، قال المسؤل العسكري البريطاني للشيخ موسى كاظم الحسيني كيف لك أن تقوم بهذه الاعمال من ثورات ومقاومة وتمرد .... وأنت موظف بالدولة وهذه مخالفة قانونية فأما أن تبقى مع الشعب وتعزل من منصبك أو تبقى في منصبك هذا ولا تدافع عن هذا الشعب ولا تعمل بالسياسة والنضال .....
إلا أن هذا الشيخ الكريم المجاهد لم يفكر طويلاً فقد قدم استقالته وقرر الانحياز الكامل لشعبه والعمل لقضيته وقيادة الحركة الفلسطينية ....مضحياً بالمنصب والوظيفة والمال .... من أجل أن يتفرغ للقضية الكبرى المقدسة ... .
لقد أثقلت الإدارة البريطانية على تحركات وكفاح شعب فلسطين الأبي بل ومنعته من ممارسة حقه، ففرضت القيود وأقامت المحاكم وأنزلت البوليس والجيش في الشوارع لمنع أية مظاهرة ... بدون ترخيص .
ألا أن هذا الشيخ العملاق في ظروف عسيرة حكم الانكليز بها بالحديد والنار ... قرر قيادة شعبه في أضخم وأشهر مظاهرة شعبية في مدينة يافا يتحدى فيها الانكليز ومعه لفيف من العلماء والشيوخ والزعماء مما أكسبها مهابة أكثر وقوة أكبر .... وسارت المظاهرة يوم الجمعة 27 تشرين الاول عام 1933 فتصدى لهم البوليس الانكليزي بحشوده الكثيفة وهو مدجج بالسلاح والهروات ومختلف الأسلحة ليواجه الجموع العزلاء الغاضبة على المؤامرات والهجرات الصهيونية .... انهال البوليس البريطاني بالهراوات بقسوة وحقد على الكثير من المشاركين لم يفرق بين صغير أو كبير، وانهال الجند البريطانيين القساة على الشيخ الجليل موسى كاظم الحسيني بضربه بالهراوات على رأسه وهو ابن السبعين عاماً...؟! .
على أثر تلقي هذا البطل الضربات القاسية على رأسه وتقدمه الصفوف وتقدمه في العمر ... ضربات متتالية بالهروات على رأسه .... لم يتحمل جسمه فسقط مغشياً ... مغمى عليه، ولكن ذراعه كانت لا تزال تمسك وتحتضن أحد المواطنين الشباب المصاب الذي أصيب برصاصة أصابت منه مقتلا ...
قال الكاتب العربي يوسف حنا في صحيفة ( المصري ) 11 نيسان 1948 يصف هذا المشهد المأسوي المثير المحزن :-
(... وبالله أقسم لقد شاهدت بعيني الشعب الأعزل يترامى على الشيخ ليحميه من النيران، وشاهدت الشيخ يدفع عنه الشعب ليتلقى عنهم الرصاص. وخرج الشيخ من المعركة وقد صبغت ثيابه بدماء أبنائه الذين استشهدوافي الدفاع عنه... ولم تظل الأيام فقد تهدم الشيخ فيما رأى...) .
تدهورت صحة الشيخ القائد موسى كاظم الحسيني ليفارق الحياة بعدها متاثرا بجراحه يوم الجمعه الموافق 26 من شهر اذار 1934