• 16 كانون الثاني 2021
  • هموم

 

بقلم: ماهر العلمي

المقدسي، البدون جنسية، المحكوم عليه بالغربة داخل مدينته، والبقاء في قفصه ضمن حدود البلدية الاسرائيلية، هذا الانسان يعيش حالة عدم استقرار جغرافي ونفسي، محصور ومحاصر في دائرة الرعب والخوف والقلق الدائم، همه الرئيس ان يحافظ على هويته الزرقاء الصادرة عن وزارة الداخلية الاسرائيلية لسبب واحد فقط، وهو غريزة حب البقاء على تراب بيت المقدس، تنفيذا لوصية خاتم المرسلين والنبيين، صاحب معجزة الاسراء والمعراج سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام، فجذوره وحقوقه مرهونة مع الاسف بهذه الهوية، واذا ما سلبت منه ضاعت حقوقه، وفقد حقه في الاقامة، مثل اي عامل تايلاندي، تسقط اقامته اذا ما غادر البلاد، والمقدسي يتعرض لنفس الوضع، اذا اقام على بعد امتار داخل الجدار، وترك مدينته، عندئذ يعتبر بأنه تخلى عنها كمركز حياته ومعيشته.

بينما كنت احرر خبر ترقية مجلس قروي كفر عقب الى بلدية تابعة لوزارة الحكم المحلي في رام الله، بدأت أتساءل: هل هذا يعني التمهيد لتسليم منطقة ما وراء حاجز قلنديا، الى السلطة الوطنية الفلسطينية؟.

وهذا التساؤل يقودنا الى تساؤلات: لماذا تتغاضى السلطات الاسرائيلية عن اقامة هذه الغابة الكثيفة من العمارات السكنية العشوائية ذوات الطوابق العشرة، فأكثر؟ والمعروف لدى الجميع انها تقام بلا رقيب ولا حسيب، سواء من الجانب الفلسطيني او الجانب الاسرائيلي .. علما ان من يحاول اقامة سور حول منزله في بيت حنينا، ترسل بلدية القدس سلاح الجرافات لهدمه في الحال..!.

الى اين المفر اذا اخرج مكان اقامتهم من الحدود الارنونية، وفقدوا حق الاقامة وحقوقهم كمقدسيين، وما هو مصير املاكهم داخل الحدود الارنونية؟ وهل يستولي عليها من يسمى حارس أملاك الغائبين؟

اذكر ان سكان الضاحية والرام من حملة الهوية الزرقاء كانت السلطات الاسرائيلية تطمئنهم بأن حقوقهم محفوظة، رغم وجودهم في منطقة الرام، وانه تم احصاؤهم هناك باعتبارهم مقدسيين، ومع ذلك تم شطب هوياتهم وحقوقهم، اما من انتقل منهم وسكن بيت حنينا، وغيرها من الاحياء المقدسية فقد استعادها بعد «طلوع الروح»!

بالاضافة الى ذلك، فان دفع الارنونا للبلدية الاسرائيلية لا يشكل اثباتا على قانونية العقار الخاضع لهذه الضريبة، كما لا يعتبر دليلا على انك مقدسي حامل للهوية الزرقاء، اذا ما تم شطبها من الكمبيوتر، اذا تقرر اخراج منطقة سكناك من الحدود «الارنونية»، كما حدث في الرام وضاحية البريد .. واذا قمت بجولة في الضاحية ستجد اعدادا كبيرة من المساكن التي هجرها قاطنوها الى بيت حنينا وشعفاط والبلدة القديمة، وكل الاحياء داخل حدود البلدية..!

لقد قيل لي ان بلدية القدس، رفضت جباية ضريبتها الشهيرة «بالارنونا» من عدد كبير من سكان منطقة ما وراء حاجز قلنديا، وهذا مؤشر اخر يدل على نوايا اسرائيل نفض يدها من تلك المنطقة السكنية العشوائية التي يقدر البعض عدد قاطنيها بما يتراوح بين ٨٠ - ١٢٠ الفا غالبيتهم من حملة الهوية الزرقاء، فهل يواجهون خطر شطب او سحب او الغاء هذه الهوية، واذا انتابهم الذعر، اين يتوجهون، والقدس داخل الجدار تعاني اصلا من ازمة سكانية خانقة، واصبحت الاجرة الشهرية للمسكن بين ١٤٠٠- ١٥٠٠ دولار.

واذا حالفك الحظ، وعثرت على مسكن، تصطدم بمطالبة المالك، بدفع اجرة عام او عامين او ثلاثة اعوام، اي عليك ان تحمل رزمة من الدولار الاخضر، فاذا كانت الاجرة ١٥٠٠ دولار شهريا، فان عليك دفع ٢٦ الفا من العملة الخضراء عن عامين، حتى يسمح لك المالك باحضار اسرتك، ونقل اثاثك، الى المنزل الجديد واذا افترضنا ان راتبك ٤٠٠٠ شيكل، وما تتقاضاه شريكتك في الشقاء مثل هذا المبلغ، فمعنى ذلك دفع حوالي ٦٠٠٠ شيكل، والعيش بـ ٢٠٠٠ شيكل تشمل فواتير الماء والكهرباء والارنونا والهاتف، وما تيسر من اللحوم والخضار والفواكه .. والملابس والمواصلات والعلاج وكل ما يخطر ولا يخطر على بال ..!

فهل يتكرر نفس مقلب الضاحية والرام مع سكان قلنديا وكفر عقب والمطار وسمير اميس وحي الزغير من حملة الهوية الزرقاء؟

وهل تبدأ حملة رحيل عكسية الى الاحياء داخل حاجز قلنديا، واين يسكنون، وهل يفترشون الارض ويلتحفون السماء .. ليثبتوا ان القدس مركز حياتهم..؟! ومن يقيم لهم المنازل داخل الحدود الارنونية ام ان من اقام مشاريع الاسكان والحي الدبلوماسي في رام الله لا يهمه ضياع المقدسيين، وتسهيل مهمة اخراجهم من مدينتهم ..؟ والاكتفاء بالتغني بضرورة دعم صمود المقدسيين وثباتهم..؟

ان التنصل التدريجي والتهرب الواقعي من جانب اسرائيل يجريان على قدم وساق، من هذه المنطقة السكانية المكتظة بغالبية مقدسية، تواجه نفس مصير المقدسيين في ضاحية البريد والرام ...!

لو ان السلطات الاسرائيلية المعنية تفكر وتخطط، للاحتفاظ بما وراء حاجز قلنديا، لما تركت هذا الزحف العمراني الهائل، المتسارع وهذا التطاول في البنيان ...

ان السلطات الاسرائيلية تخطط وتعمل على تقليص نسبة المقدسيين في المدينة الموحدة اسرائيليا بقطاعيها المحتلين ١٩٤٨و ١٩٦٧ الى ما لا يتجاوز الـ ١٢٪ وكلما ارتفعت نسبتهم ازدادت مخاوف المسؤولين الاسرائيليين واصرارهم على تراجع نسبتهم ...!

لا نصير للمقدسيين .. لا مدافع عن وجودهم، لا مغيث لهم في محنتهم ومعاناتهم .. كل ما يشهدون، وكل ما يسمعون ... اشادات بصمودهم، واستنكارات للاعتداءات عليهم ... ومهرجانات، وزعامات متخصصة باطلاق الوعود .. والكلام المعسول ...!!