• 8 أيلول 2025
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : المحامي حسن عبادي

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ 

أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.

ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.

أواكب وضع حرائر الدامون عن كثب؛ وأسمع حكايا الأسيرات ووجعهن، ألمهن وأملهن، وأشتمّ رائحة الخذلان في كلّ لقاء ولقاء وأدوّن بعضاً من معاناتهن.

مع كلّ نهاية زيارة أتصل بأهالي من التقيت بهنّ، وأول الرسائل لباقي الأسيرات، وأطلع أهالي من قُمعن أو تعرّضن للتنكيل بشكل خاص على مجريات الأمور وأحاول الامتناع عن نشرها.

أحاول قدر استطاعتي إيصال صوتهن لكلّ بقاع العالم وتحريك هذا الملف الساخن والراكد.

عقّب الصديق وليد الهودلي: "بروحك الندية تكسر قسوة المشهدية".

وعقّبت الروائية الصديقة مرام فؤاد نادي/ الأردن: "د. انتصار، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. هذه الطالبة المجاهدة كانت إحدى خريجات قسم الإدارة التربوية والقيادة في الجامعة الأردنية ومناقشة أطروحتها وقد حضرها أ. د. خالد الكركي كانت الأولى عبر الأقمار الصناعية؛ لأن الكيان منعها من وصول الأراضي الأردنية. لك الله بنت دورة الخليل. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم".

 وعقب عماد عبد الله (والد الأسيرة رماء): "لك الله أيتها الأخت والخنساء أنت... وفرج كربكِ. وهون عليك سجنك، ولكِ الحرية ولجميع. أسيراتنا وأسرانا. ولله درك أيها الأخ والأستاذ حسن عبادي لما تقوم به وتعمل عليه من جبر خواطر أسيراتنا وأسرانا. والد الأسيرة الحامل بشهرها السادس".

وعقبت سلسبيل محمد: "الله يعطيك العافية أستاذ، يا ريت لو مؤسسات حقوق الإنسان تعمل على تحسين ظروف الأسيرات".

وعقّبت فاطمة جوهر/ الأردن: "اللهم يا من لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء، يا مالك، يا من تقول للشيء كن فيكون، يا عالم الغيب والشهادة. أسألك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم، وأسألك باسمك الطاهر الطيب المكنون لديك الذي احتفظت به في علم الغيب عندك الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا استفرجت به فرّجت أن تفرج عن أخواتنا الأسيرات ما هن فيه من كرب وضيق، وأن تعيدهن إلى بيوتهن معززات مكرمات شامخات ليهنأ بهن الأهل والأولاد إنك سميع مجيب. أما القاسم المشترك الذي يضحي بوقته وجهده أسال الله أن يجزيه خير الجزاء في الدنيا والآخرة؛ أستاذ حسن عبادي".

وعقّبت إيمان حلبي (ابنة الأسيرة دلال حلبي وأخت الأسيرة إسلام شولي): "بضل أعمل ريفريش لصفحتك أستنى بـ(بوست) عن الأسيرات، ولما ينزل البوست بتأمل كل كلمة بقرأ وجود ماما وإسلام بين السطور ربنا يفرج كربهم جميعا الأسيرات والأسرى وربنا يجزيك كل الخير أستاذ حسن".

 وعقّبت الصديقة مريم عنانزة (أحلام الورد) الناشطة في مبادرة "أسرى يكتبون"/ الأردن: "ميسر، صبركِ جبينٌ لا ينحني، ووصيتكِ لحمادة نشيدُ وطنٍ لا يُنسى… والحرية موعد لا يخلفه الزمن... كل شدة تزول، لكنك باقية في الذاكرة زهرا لا يذبل، فالحرية قادمة لا محالة."

"جاي لعندك والكلبشات بإجري زيّ السكاكين"

زرت صباح الثلاثاء 01.07.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة انتصار طالب جبر عواودة (مواليد 07.10.1973) من قرية كرمة/ دورا/ الخليل، دكتوراه إدارة تربوية/ الجامعة الأردنية/ عمان، محاضرة في جامعة الخليل.

بادرت قائلة مباشرة بعد المرحبة: "أنت الأستاذ حسن؟ اكتب– بيت انتصار، طقم الصلاة في السجن، رسائل البنات: سيرين، شيرين، كوكب صباح، حورية شحادة، إسلام شولي، ميرفت أبو سرحان، سهام أبو سالم-أم خليل، فابتسمت قائلاً: شو، إحنا بمحاضرة؟ هذا البروبوزال؟ ممّا كسر حاجز اللقاء الأول.

سلّم على نظمية وبناتها، فهمية وعيلتها، وعايشة وعيلتها، وفاطمة وعيلتها، وإخوتي جمال وصلاح وأحمد وعائلاتهم، ولمى وكلّ الناس الطيّبة.

قلقة على أشياء البيت لأنها اعتقلت وخلّت البيت مشرّعا، وإذا طوّلت الحبسة تحتاج لتقارير طبيّة بخصوص الدِسك والجهاز الهضمي وطبيب القلب.

شرحت لي طقم الصلاة (قطعتين، تنورة تغطي الرجلين واليانس يغطي الإيدين)، ولمّا يروح ع الغسيل بتظل البنت عريانة، بدنا طقمين لكل بنت.

حطّمت الرقم القياسي بالقمعات والعقوبات "ممنوعة فورة، فقط حمام وصياح كل الوقت-يلّا اطلعي. عذّبونا وكلبشونا "صرّختوا بالليل! قمعة 24.06.25 "القمعىة الكبيرة"، اليماز مع كلب، فتّشونا عاري بالحمام وقعّدونا على ركبنا برّا مكلبشات حتى خلّصوا مع الكل، قمعوا غرفتين بغاز فلفل، أخذوا 5 بنات للمخابرات وهدّدوهن بالاعتداء الجنسي، سمّعوهن كلام بذيء ومسبات قذرة. وفجأة قالت: "جاي لعندك والكلبشات بإجري زيّ السكاكين من كثر ما شدّوهن. إيدي اليمين بعدها خدرانة من الكلبشات. العنف باستمرار والأكل سيئ.

اعتقلت يوم 13.05.2025، "كنت ألقّط دوالي، هجموا عليّ وبلّشوا ضرب، أخذوا الجوال والحاسوب والهوية وحلّق ذهب، ما أخذت ورقة أمانات.". أخذوا الملابس الداخلية في المعتقل وظلّيت بدون 15 يوم. مجبورة ألف حالي بالحرام كل الوقت لأنه فش ملابس تسترني. 22 يوم بالمسكوبية وبعدها 3 ليالي بالشارون بفترة العيد، الله لا يورجي لحدا، مكان مقرف جداً، المغسلة فايضة، كمان زبالة بالغرفة، الحمام مليان زبالة، المجاري مفتّحة، الأكل مثلّج، لمّيت الزبالة بالشبشب، سكّرت المجاري بعلب الأكل ع شان تخفيف الريحة، بق (صار عندي حساسية من قرصاته).

انتصار بغرفة 8 (برفقة سيرين صعيدي وفاطمة جسراوي).

طلبت إيصال سلامات سيرين وشيرين وكوكب وحورية (أسيرات جدد، أمهات شهداء، من عوريف)، وإسلام، وميرفت وسهام (من غزة).

تجربة منيحة، بنات الدامون قويّات وواعيات وفيهن جمال وكرقّة قطر الندى على زهر فلسطين تجاه ولادهن/ أزواجهن، قلوبهن مفعمة بالحب والرضى والحنان.

"لا تنِقهِر يمّا"

بعد لقائي مع انتصار أطلت الأسيرة ميسر محمود خليل هديبات (مواليد 02.04.1973) من دورا ومتزوّجة في يطا/ الخليل، تجرجرها سجّانة وهي مكلبشة الأيدي والأرجل ومغمّضة العينين. 

فرفشت وانفرجت أساريرها حين سمعت أخبار العائلة وسلاماتهم.

اعتقلت يوم 18.11.2024، "كنت طالعة أجيب لبن، كان حاجز بدون جيش، فجأة نطّوا الجنود وسألوني وين رايحة؟ ما فهمت وما جاوبت. طخّوني وأخذوني للمستشفى ومن هناك للدامون.

ميسر بغرفة 5 (برفقة أسيل حماد وكرمل وإيمان شوامرة). متزوجة + 3 أولاد وبنتين + عمر الحفيد.

طلبت إيصال رسالة لابنها حمادة "لا تنقهر يمّا ولا شي، خلّيك زلمة وعقدّ حالك، إذا ما روّحت بالصفقة خذ قرض وشوف". إمكم قويّة، عملت شدّة وبتلاعب البنات، ومشتاقة لكم كثير، شدّة وبتزول. بوسولي لقمان وأنور ونغم ونسمة وعمر، وكونوا أقوياء. ادعوا لي أكون بينكم قريباً. سلّم على جوزي ويدير باله على صحته. يلام لأنور ولقمان".

الوضع صعب كثير.

نِفسي أعرف ليش ما طلعِت بالصفقة الأولى (الوحيدة التي لم تتحرّر برفقة شاتيلا وآية)؟ مِن مين التقصير؟ بدّي أعرف شو السبب؟ 

لكما عزيزتيَّ انتصار وميسّر أحلى التحيّات، والحريّة لكما ولجميع أسرى الحريّة. 

حيفا تموز 2025