• 1 كانون أول 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

شاهد العالم غضب الغزيين حين داهم المطر خيامهم؛ فماذا سيشعر أب حينما لا يجد وسيلة لحماية أبنائه وبناته من المطر؟ 

مشاهد ستطول على شبكيات أعين البشر، فيما سيدوم صوت الاستغاثة في آذان البشر؛ فلا يهنأ بشريّون وبشريّات بمأوى وملاذ وهم يرون تلك المآسي، حين يصبح همّ البشر هنا غطاء وخبز! 

•⁠  ⁠هل تستحق الدول الكبرى هذا الوصف؟

•⁠  ⁠....................................؟

للدول الكبيرة تأثير في علاقات الحرب والسلام، كان ذلك قبل إنشاء عصبة الأمم ثم فيما بعد هيئة الأمم المتحدة؛ وذلك لما لهذه الدولة ليس من قوة عسكرية، بل وهيبة معنوية، تماما كالأخ الأكبر، وشيخ القبيلة في حياة الشعوب.

ولو درسنا تاريخ الدول المؤثرة، منذ التوازنات الدولية التي سادت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، سنجد أن لهذه الدول والإمبراطوريات كانت تؤثر حربا وسلما. كذلك يمكن الانتباه منذ إنشاء عصبة الأمم، وما بعدها من هيئة الأمم، أن تأثير الدول الكبرى ظل موجودا بل وتعمق داخل المؤسسة الأممية.

لم تكشف الحرب على فلسطين ما هو جديد، بل كشفت عمق ما هو معروف في سياق الاحتلال خلال قرن، وليس فقط ما بعد عام 1948؛ فما فعلته بريطانيا العظمى من وعد بلفور وتنفيذه، يأتي في هذا السياق.

الحرب الظالمة التي تنتهج العقاب الجماعي ضد شعبنا وممتلكاته، وضد أمتنا ليس جديدة، ولنا في خلال ما شهدناه من الحرب علينا في لبنان خلال عقد السبعينيات، والذي توج بالاجتياح عام 1982، والذي ظل مستمرا حتى الآن، ولمن شهد قبلنا حرب إسرائيل علينا: 1948 و1956 و1967، رأى بعينه ما تم اقترافه من جرائم، كانت بعض الدول الكبرى قد ساهمته به وجودا عسكريا أو تسليحا ودعما اقتصاديا.

وبالرغم مما عانيناه وما زلنا، نجد من يتحدث عن العيش المشترك عالميا، كأن ما يحدث في فلسطين ولبنان ومناطق نزاع وصرعات أخرى أمورا ثانوية.

كم هو مؤلم جدا لدرجة تهيّب الناس من الرؤية البصرية والقلبية لما حدث ويحدث، والذي لا تقتصر آلامه على المتألمين هنا، بل سيصل الألم الى من ستصل اليه الروايات؛ فما زال القراء والمشاهدون يتساءلون عما حدث من مآس في بلاد العالم. فهل هذا هو الإرث الذي ستورثه الدول الكبرى، لأبنائها، خصوصا أنه كان بالإمكان أن يكون لها دور في وقف المأساة في فلسطين؟ لكن عتاب الأحفاد ولومهم مستقبلا سيكون متأخرا جدا.

نشط في فلسطين في حقبة الثمانينيات، خصوصا في ظل الانتفاضة الأولى وما بعدها، منظمات ومؤسسات حقوقية، كان جزءا من عملها هو رصد انتهاكات الاحتلال في مختلف جوانب حياتنا الفلسطينية، والمتتبع لها سيجد أنه بالطبع كان لها دور مهم في تحقيق هامش من الحماية وفضح الاحتلال، وتعريته من خلال تقارير المؤسسات، التي توافقت مع تقارير الإعلام العالمي، ولكن بالرغم من ذلك إلا أن الاحتلال استمر بالانتهاكات، والتي كلما تقدم عمر الاحتلال وجدناها تتضاعف وصولا لما نشهده من حرب إبادة.

والمهم هنا هو أن قرارات الأمم المتحدة تجاه فلسطين لم تصدر لإلزام دولة الاحتلال، ما يعني أن ثقة الناس لن تضعف فقط بالأمم المتحدة، بل في جوهر حلول الصراعات، وهذا ما يعرّض السلم الدولي للخطر.

لذلك، وكون الأمم المتحدة تقع في جدل حول الفعل نفسه بدلا من العمل على وقف الحرب، وإنهاء الاحتلال، فصار لا بدّ من العمل مع الدول الكبرى، وهكذا أصلا جاءت جهود وقف الحرب على فلسطين، ما يؤكد على ضرورة التأثير العربي بشكل خاص على الدول الكبرى. إن العلاقات العربية الأمريكية بحدّ ذاتها يمكن أن تكون رافعة قوية على تحجيم الفعل الاحتلالي؛ فلم تعد دولة الاحتلال هي من تضمن مصالح الولايات المتحدة هنا، كذلك فإن هذه الدولة المصنوعة صارت عبئا أخلاقيا واقتصاديا على الولايات المتحدة، ولن ننسى توصيف المثل الشعبي القائل "الولد العاطل بجيب لأهله المسبة". ولا يقف ذلك على "مسبة" الآخرين للسياسة الأمريكية الخارجية، خاصة هنا، بل لقد أصبحنا نشهد داخل الولايات المتحدة جدلا حول هذا الحلف الآثم الذي يسيء لها، ويحملها أعباء مالية، تجعل دافع الضرائب الأمريكي يتساءل عن فائدة دعم الاحتلال في أفعاله المشينة.

لقد شاهد الأمريكيون، الذين ينتمون للدولة الكبرى اليوم في العالم على مدار عامين مرّ على ذبح شعبنا وتشريده وتخريب ممتلكاته التي كدّ وتعب في الحصول عليها، فانتفضوا خاصة فئة الشباب والطلبة، كذلك شاركهم المهاجرون هناك، كذلك حدث الأمر نفسه وأكثر في العواصم المؤثرة، ما يعني رفض ليس ما تفعله دولة الاحتلال بل بالأحرى ما تفعله دولهم من دعم يذهب للسطو على المدنيين الفلسطينيين.

حين دعا رئيس كولومبيا غوستافو بيترو إلى إنشاء جيش دولي لتحرير فلسطين، بوصفه ما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية"، وهو في نيويورك، لربما وجد كثيرون أن هذا الأمر حلما وخيالا، ولكنها البداية، بالرغم ان كولمبيا ليست دولة كبيرة، فإن رئيس دولة يذهب هذا الطريق، سيجعل الدول الكبرى تعيد النظر في الدعم غير المحدود لدولة الاحتلال خاصة الولايات المتحدة، التي عمقّت صورتها السلبية داخل العالم كله، وليس فقط داخل العالمين العربي والإسلامي.

منذ خلقنا على هذه الأرض، وجد الحرب والسلام، وبالرغم من تفهم قرار الحرب، إلا أنه لم يعد مقبولا منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى السطو على المدنيين، حيث تم تتويج هذا الاتفاق دوليا عبر عدة اتفاقيات على رأسها اتفاقية جنيف الرابعة التي تقضي بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، التي تمت عام 1949، أي بعد 4 سنوات على مآسي الحرب العالمية الثانية.

وعليه، واحتراما مع الحدود الدنيا لأخلاق البشر وقت الحروب، فلم يعد مقبولا أبدا هذا الفعل الإجرامي؛ ففي ظل الاحتلال، يمكن أن يقوم المحتل بأفعال تتعلق بوجوده المؤقت بانتظار تحقيق التسوية، وليس هناك أي مبرر لاقتراف جرائم يندى لها جبين الإنسانية.

تلك هي مسؤولية الدول الكبرى، التي حين يتحدث ساستها عن الصراعات، فإنهم عادة ما يذكرون مواقفهم الأخلاقية والإنسانية الرافضة للانتهاكات، زاهدين للأسف الشديد بأفعال تكفّ أيدي الطغاة عن الطغيان.

 في فلسطين اليوم، وحين نهزّ غربال الإنسانية للاحتفاظ بالقمح، فإن دولا كثيرة ستسقط من عيون الغربال حتى ولو كانت صغيرة، لأنها حكمت على نفسها أن تكون من الشوائب.